وعلى كل حال لا يتأمل مسلم في أن العبادة الحقيقية من الصلاة والصيام وغيرهما لا تكون لغير الله، فأن كان التصديق عن الأولياء والذبح لهم والنذر لهم عبادة، فنحن عبيد آبائنا وأمهاتنا وأمواتنا الذين نتصدق عنهم، أو ننذر لهم، ونذبح لهم.
وإن كان طلب الدعاء منهم وندبتهم على الدعاء والشفاعة كفرا، فعلى الإسلام السلام، فإنه ليس في الوجود أحد لا يلتمس الدعاء من إخوانه، أو يستغيث بهم في طلب نجاته، وإن دعاء المؤمن للمؤمن أسرع للإجابة لأنه دعاء بلسان لم يعص به.
فيا أخي، المقاصد متفاوتة، وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى (1)، فرب كلمة ظاهرها الإسلام، تصير بالنية كلمة كفر، وبالعكس.
وأما قولك: فأن الذي يفعل عندنا في مشهد علي رضي الله عنه من دعوة، واستغاثة، ورجاء، وخوف، وخشية. انه ليس بعبادة، فأنهم ما قصدوا بدعوتهم (عليا) وغيره إلا ليشفع لهم عند الله.
فأن قلت: أولئك يدعون الأصنام، ونحن لا ندعو إلا الصالحين.
قلنا: وكذلك المشركون منهم يدعون الصالحين ويعبدونهم مع الله، كعيسى ومريم والملائكة.
فأن قلتم: إن الدعوة لا تسمى عبادة.
قلنا: بل هي عبادة وأي عبادة، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الدعاء هو العبادة. ويلي قوله تعالى: (ادعوني أستجب لكم) (2).
وأصل دين الإسلام هو إخلاص العبادة بجميع أنواعها من الذبح والدعوة، والنذر ، والتوكل، والخشية، والرغبة، والإنابة، ولا يقبل الله من الأعمال إلا ما اجتمع فيه شرطان:
الأول: ألا يعبد إلا الله وحده.
الثاني: ألا يعبد إلا بما شرع على لسان رسوله، كما قال الله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (3).
Bogga 584