مقدمة المؤلف الحمد لله الذي تفرد بالأزلية والقدم، واشتق نور الوجود من ظلمة العدم، وأسس قواعد الشرع على وفق المصالح والحكم، وفضل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم، وأنزل القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، وحذر عن اتباع الملاذ والشهوات، وأمر بالوقوف عند الشبهات، وأنذر عن متابعة الآباء والأمهات، والصلاة والسلام على من قدمه على جميع أنبيائه، وفضله على كافة أصفيائه، (محمد) المختار، صلى الله عليه وعلى آله، ما أظلم ليل، وأضاء نهار.
أما بعد: فقد ورد - إلى المقصر مع ربه، التائب إليه من ذنبه، الطالب من الله السداد، (جعفر) أقل طلبة أهل (بغداد) - كتاب كريم، مشتمل على كلمات كالدر النظيم، ممن لم يزل بالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا زاجرا، الآمر بعبادة المعبود، الشيخ عبد العزيز بن سعود (1). فلما نظرته وتدبرته وتأملته وتصورته، خلوت في زاوية من الدار، وتصفحته تصفح الأنصاف والاعتبار. وقلت متهما لنفسي بالميل إلى العصبية والعناد، والركون إلى ما عليه الآباء والأجداد: يا نفس اعرفي قدر دنياك، واحذري شر من أغوى أباك، لقد تخليت عن نعيم الدنيا بحذافيرها، وقنعت بقليلها، ولو بقرص شعيرها، وتجنبت دار العزة والوقار، واخترت العزلة والخمول في هذه الديار.
فلو كنت في كبار البلدان، من ممالك بني (عثمان)، أو في بعض بلدان فارس وإيران لجاءت إليك الدنيا من كل جانب ومكان، ونلت من النعيم ما لم ينله إنسان، فاحذري أن تكوني مع الأعراض عن هذه النعم الفاخرة، ممن قد خسر الدنيا والآخرة.
فلما شممت منها رائحة التصفية، ورأيت أن نسبة المذاهب - لولا الله عندها - على التسوية، وجهتها إلى الكشف عن حقيقة الجواب عن الشبة الموردة في ذلك الكتاب،
Bogga 519
ورأيت أن أشرح في الحال رسالة على وجه الاختصار، مستمدا من فيض الواحد القهار، وسميتها (منهج الرشاد لمن أراد السداد).
فاقسم عليك - بمن جعلك متبوعا بعد أن كنت تابعا، ومطاعا بعد أن كنت لغيرك مطيعا سامعا، وأعزك بعدما كنت ذليلا، وكثر جمعك بعدما كان نزرا قليلا - أن تنظر ما رسمته سطرا سطرا، وتمعن في تحقيق ما رقمته نظرا وفكرا، متوحشا من الناس وقت النظر، متحذرا من النفس الأمارة كل الحذر، طالبا من الله كشف الحقيقة، سالكا في المناظرة واضح الطريقة، فلعله يظهر أنه ليس بيننا نزاع، فنحمد الله على الإتفاق والاجتماع. وقد رتبتها على مقدمة، ومقاصد، وخاتمة.
أما المقدمة، فتشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول في أن الافعال والكلمات تختلف باختلاف المقاصد والنيات فمن قال: يد الله، وعين الله، وجنب الله، وأراد الجوارح على نحو ما في الأجسام، أو قال: إن الله على العرش استوى، أو في جهة الفوق، وأراد الحلول والاختصاص التام، أو أسند الرحمة إليه، أو الغضب، وأراد رقة القلب، أو ثوران النفس على نحو ما يعرف بين الأنام، أو أسند الرزق إلى المخلوق، أو دعاه، أو استغاث به على نحو ما يسنده إلى الملك العلام، كان خارجا عن مقالة أهل الإسلام.
وأما من قصد بها معاني أخر، فليس عليه من بأس ولا ضرر. وليس هذا كصنيع المشركين، فأن الفرق ظاهر، كما سنبينه كمال التبيين، فالمستغيث بالمنسوب مستغيث بالمنسوب إليه، والمستجير بالمكان مستجير بمن سلطانه عليه.
فمن أراد الأستاجرة والاستغاثة ب (زيد) فله طريقان:
أحدهما: أن يهتف باسمه.
وثانيهما: أن ينادي بصفاته، أو مكانه، أو خدمه.
وثانيهما أقرب إلى الأدب، وأرغب لطباع أرباب الرتب، فلا يكون المستغيث ببيت الله، أو بصفات الله، أو برسل الله، أو المقربين عند الله، إلا مستغيثا بالله، فكلما دعا
Bogga 520
مخلوقا مقربا عند الله، أو استغاث به قاصدا بحسن التعبير الاستغاثة باللطيف الخبير، فليس عليه بأس في ذلك، بل هو سالك في الآداب أحسن المسالك.
وكذلك من أسند تلك الأشياء لمجرد الربط الصوري، لا على قصد التأثير الحقيقي، كما يقال: (أنبت الربيع البقل)، والمنبت هو الله، و (بنى الأمير القصر)، والباني ظاهرا بناه (1).
فاطلاق (السيد) و (المالك) على غير الله، (وإضافة (العبد) و (المملوك) في الأحرار إلى غير الله) (2)، إن أريد بها الملكية الحقيقة، كان خروجا عن الطريقة الشرعية، وإلا لم يكن في ذلك بأس بالكلية.
ولهذا ورد في الأخبار النبوية إطلاق (السيد) على غير الله.
روى أبو هريرة (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة (4).
وعن أبي سعيد الخدري (5) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (6).
وعن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة (7).
وعن فاطمة عليها السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني أني سيدة نساء العالمين، رواه الترمذي (8).
وروى أبو نعيم الحافظ، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادعوا لي سيد العرب عليا.
Bogga 521
وفي حلية الأولياء أنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي مرحبا بسيد المؤمنين (1).
وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للحسن: ابني هذا سيد (2).
وعن عائشة (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سار ابنته الزهراء، فقال لها: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، أو نساء المؤمنين (4).
وروي ذلك عن الصحابة أيضا، فعن جابر (5) أن عمر كان يقول: أبو بكر سيدنا، واعتق سيدنا، (يعني: بلالا)، رواه البخاري (6).
وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: أتقولون هذا شيخ قريش وسيدهم (7).
وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن سادات النساء أربعة: خديجة، وفاطمة، وآسية، ومريم.
وعن علي عليه السلام: أنا سيد البطحاء. إلى غير ذلك مما يزيد على التواتر.
فالجمع بين ذلك وبين ما روي في الكتب المعتبرة أنه جاء وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله (8). باختلاف القصد في معنى (السيد).
وكذا ما ورد من المنع من قول السيد عبدي وأمتي، فقول العبد لمولاه ربي، مع وجود ذلك في كلام يوسف (9).
وكذلك الاستغاثة بغير الله، إن أريد بها الصورة، أو من باب استغاثة العبد بقصد
Bogga 522
المعبود، فلا بأس بها، وعلى ذلك قوله تعالى (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) (1) وكذا قوله (يستصرخه) (2).
وكذلك إطلاق الرب في بعض المعاني على غير الله كفر، مع أن الصديق يوسف عليه السلام قال (اذكرني عند ربك) (3)، وكذلك طلب الرزق من غير الله على وجه الحقيقة كفر، وقال الله تعالى: (وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) (4) وقوله: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) (5)، ونحوه (استطعما أهلها) (6).
ومن ذلك قول القائل: لولا (فلان) لكان (كذا). فأن أراد أنه الفاعل المختار، دخل في أقسام الكفار. وإن أراد العلية الصورية بمجرد رابطة جزئية، لم يكن عليه بأس بالكلية.
ولذلك ورد عن سيد الأنام أنه قال: لولا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة (7).
وعن سفيان الثوري أنه قال: لولا هذه الدنيا لكان الملوك صعاليك.
وعن عمر أنه قال لعلي عليه السلام لما أشار عليه بعدم أخذ حلي الكعبة: لولاك لافتضحنا.
وعن النبي أنه قال لعلي: لولا أن تقول الناس فيك ما قالت النصارى لقلت فيك مقالا.
وورد في صحيح الأثر، عن الفاروق عمر أنه قال: (لولا علي لهلك عمر). ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، إلى غير ذلك.
وكذا الحلف بغير الله إن أريد به الحلف على جهة إثبات الدعوى، كان خارجا عن الشريعة، وإلا لم يكن قسما على الحقيقة.
والحديث الذي فيه: (من حلف بغير الله، فقد أشرك) (8) محمول على حقيقة الحلف،
Bogga 523
وسيجئ تفصيله في المقصد الخامس. وكذلك إطلاق اليد، والرجل، والقدم، وغير ذلك بالنسبة إلى الله على الحقيقة، لا يوافق الطريقة من غير تأويل، لم يتوهمه سوى نزر قليل.
مع أنه روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن النار لا تمتلئ حتى يضع الله رجله فيها (1). وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن النار لا تمتلئ حتى يضع الله قدمه فيها (2). ومن ذلك نسبة الضحك والعجب إلى الله تعالى، فأن إرادة الحقيقة بعيدة عن الطريقة ، مع أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لقد عجب الله، أو ضحك الله، عن (فلان) و (فلانة)، ونقل قصته (3).
فباختلاف المعاني اختلفت المباني، وكذلك في مسألة الأفعال، فأنها شبيهة الأقوال، فأن القيام للتواضع قد ورد النهي عنه.
روى أبو أسامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج متكأ على عصى، فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم بعضهم لبعض، رواه أبو داود (4).
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يقوم الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا (5).
عن أنس أنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك، رواه الترمذي، وقال: هذا خبر صحيح (6).
فينبغي أن ينزل المنع على قيام خاص، كأن يقوم منحنيا على نحو ما يصنع الأعاجم. وفي الخبر ما يرشد إليه اختلاف الأغراض والمقاصد.
كما روي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من سره أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوء
Bogga 524
مقعده من النار (1). وحديث (ولا يقوم الرجل)، ظاهره اختصاص الجالس مجالسه، وربما ينزل ما دل على كراهته كذلك على نحو كراهته لملاذ الدنيا، وزهده في القيام كزهده في مباحاتها.
فقد روى أبو سعيد الخدري أن سعدا جاء على حمار، فلما دنا من المسجد، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم (2).
وعن عائشة قالت: كنت جالسة متربعة، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأردت القيام، كما هي عادتي عند دخوله، فمنعني (3). فأن فيه دلالة على أن ذلك كان معتادا لها، ولعل هذا المنع كان لسبب خاص، أو كزهد الدنيا، وكسر النفس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما قدم جعفر مبشرا بفتح خيبر، قام، فقال: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر (4).
وقيام الاحتمال في هذه الأخبار لا يمنع الاستناد إليها كما لا يخفى على أولي الأنظار مع ما ورد في الأخبار الكثيرة، من استحباب تعظيم المؤمن، ويدخل في تعظيم شعائر الله على نحو ما ورد في التفاسير المعتبرة.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلس معنا في المسجد يحدثنا، فإذا قام قمنا لقيامه، حتى نراه دخل بعض بيوت أزواجه.
وعن واثلة (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن للمسلم لحقا إذا رآه أخوة تزحزح له، رواه البيهقي في شعب الايمان (6).
Bogga 525
ولعل هذا مبني على أن التواضع تختلف أقسامه باختلاف الأزمان، وكيف كان فالذي يظهر بعد التأمل التام اختلاف الأقوال والأفعال باختلاف المقاصد. ومن ذلك اختلاف أحوال الزهاد، فبعض ترك المآكل والملابس الحسان، واقتصر على الجشب والخشن، وبعضهم يأكل من أطيب المأكول، ويلبس من أنعم الملبوس. وباعتبار اختلاف النيات دخل (العملان) في قسم العبادات.
ثم إن الأفعال المختلفة بعضها لا ينسب إلى غير الله، كايجاد الكائنات، وصنع المصنوعات. وبعضها لا ينسب إلى الله، كأفعال القبائح والمنفرات، وبعضها تختلف معانيها ومقاصدها، فتنسب إلى الخالق مرة، والمخلوق أخرى. وهذا الحكم متمش على قول من لم يثبت فاعلا سوى الله، وعلى قول من أثبت.
والمعيار أنه متى قام احتمال إرادة وجه صحيح بني عليه، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إدرؤا الحدود بالشبهات)، (ولا تقل في الناس إلا خيرا). وما دل على النهي عن سوء الظن، فكيف بالشك.
وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إدرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم (1).
فالناس إذن في صدور أمثال هذه الأمور عنهم على أنحاء:
بين علماء عاملين، مقاصدهم صحيحة، فلا يتعمدون بالأقوال والأفعال، إلا الوجوه السليمة من القيل والقال.
وبين أعوام جهال بنوا على ما بنى عليه علماؤهم على الإجمال، وليس لهم قابلية التفتيش على حقيقة الحال، فهم أيضا معذورون عند رب العزة والجلال.
وبين من بنوا على طريق الضلال، وعليهم المؤاخذة بضروب النكال.
والتحقيق أن تبدل الأحكام بتبدل الموضوعات، ليس من باب التشريع والإبداع ، مثلا يستحل للنساء التزين لرجالهن، فمنذ كان لبس السواد زينة استحب، فإذا انعكس وصار الميل إلى الأحمر والأصفر انعكس الخطاب. وألوان اللباس تختلف باختلاف الناس، ففي كل بلاد يستحب لون ونوع، فإنه قد يكون في مكان لباس شهرة، وفي آخر بعكسه، وفي موضع من لباس النساء، وفي موضع بعكسه.
وكذا كانت رغبة الناس في طيب الكافور، فكرهه اليوم.
Bogga 526
وكذلك إكرام الضيف بالمآكل، وكذا المراكب، فيختلف الحال باختلاف الأحوال.
وكذا طريق التواضع، وتعلية البناء، ولباس الزهد.
والزهد في المأكول يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والمقاصد، وعلى ذلك مبنى كثير من اختلاف الأخبار.
وكذا يستحب التأهب لجهاد الكفار بأحسن السلاح، وكان أطيبها السيوف والرماح، وصار الأحسن في هذه الأيام (التفك) (1) المعروف بين الأنام.
وكذا الوصول إلى بعض الأرضين لا يستحب، حتى تجعل مقبرة للمسلمين.
فاختلاف الأزمنة والأمكنة والجهات، قد يبعث على اختلاف الأحكام، لاختلاف الموضوعات، وربما بني على ذلك اختلاف كثير من الأخبار، وطريقة المسلمين على اختلاف الأعصار.
وفقنا الله وإياكم لسولك الجادة المستقيمة، والأخذ بالطريقة السليمة، وردني الله إليك إن كنت أنت على الحق، وردك إلي إن كان الحق معي، ومع أكثر الخلق.
الفصل الثاني في بيان اختلاف ظواهر الآيات والروايات وإن لكل من الحق والباطل مأخذا، كما روي: إن لكل حق حقيقة، ولكل صواب نورا، فمن أراد الحق اهتدي إليه، ومن أراد الباطل كان له ميدان في المجادلة عليه.
فمن خرج عن جادة الأنصاف، وسلك طريق الغي والاعتساف، ولم يرجع إلي سيرة الصحابة والتابعين، أمكنه أن يستند إلى ظاهر القرآن المبين، فيما يخرج عن شريعة سيد المرسلين.
فأن (الوعيدية) المنكرين للعفو، الموجبين للمؤاخذة على المعاصي، يمكنهم الاستدلال بآية سورة الزلزال (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعلم مثقال ذرة شرا يره) (2)، و (الوعدية) القائلين برفع المؤاخذة بالكلية، وان الله لا يعاقب على معصية، لهم الاستناد
Bogga 527
إلى قوله تعالى: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) (1)، ووعده لا خلف فيه.
والمثبتون للرؤية في الآخرة يستندون إلى قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) (2)، والنافون إلى قوله تعالى: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الأبصار) (3).
والقائلون بأن الله على العرش بآية (على العرش استوى) (4)، والنافون بقوله تعالى: (إن الله معنا) (5) و (إن معي ربي سيهدين) (6) (وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) (7).
والقائلون بالتجسيم على الحقيقة يستندون إلى مثل قوله: (يد الله فوق أيديهم) (8)، والنافون إلى قوله (ليس كمثله شئ) (9) ونحوها.
والقائلون بجواز المعصية على الأنبياء يستندون إلى مثل قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) (10)، والنافون بمثل قوله: (لا ينال عهدي الظالمين) (11).
والقائلون باستناد جميع الأفعال إلى الله، استندوا إلى قوله: (خالق كل شئ) (12) وقوله: (كل من عند الله) (13).
والآخرون إلى قوله (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (14).
والقائلون بأن الكفار مخاطبون بالفروع بعموم (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) (15)، والنافون
Bogga 528
لذلك لخطاب (يا أيها الذين آمنوا) (1) إلى غير ذلك.
وكذا في الفروع الفقهية، فأن كلا من الفقهاء له مأخذ من الكتاب والسنة، مغاير لمأخذ صاحبه، كما لا يخفى على المتتبع، فلمن أراد أن يبيح جميع الأشياء قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض) (2) ومن قصر التحريم على أربعة استند إلى ما دل على تحليل جميع الأشياء ما عدا الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، من جميع ما خلق الله. والحاصل أن كل من أراد العناد والعصبية، فله مدرك يتشبث به من آية قرآنية، أو سنة محمدية، ويكون صاحب مذهب ورأي، يباحث الفضلاء، ويناظر أساطين العلماء، ما لم يكن له حاجب من تقوى الله. ولقد أجاد بعض القدماء، من فحول العلماء حيث يقول: إن المسائل الشرعية عندي بمنزلة الشمع اللين، أصوره كيف شئت لولا تقوى الله. ونقل أن بعض الفضلاء أخذ قطعة من قرطاس في محفل من الناس، فأورد عليهم براهين على أنها قطعة ذهب، حتى أقروا بذلك.
ولكن من أراد رضا الجبار، ورجا الفوز بالجنة، وخاف عذاب النار، ينظر إلى المعادلة في الدلالات، ثم ينظر المرجحات الخارجيات، وأولاها التأمل في طريقة الصحابة وسيرتهم، فأنها أعظم شاهد على ما حكم به الجبار، وجرت عليه سنة النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم فأن لكل ملة طريقة يرجعون إليها، ويعولون عند وقوع الاشتباه عليها.
وقد يحصل العلم بما عليه الأمراء، من النظر إلى عمل أتباعهم، وأشياعهم، ورعاياهم، وخدمهم، وحشمهم، لأن الأثر يدل على مؤثره، والمنتهى يدل على مصدره.
وبعد العهد بيننا وبين زمان (الصدور)، ربما أخفى علينا كثيرا من الأمور، فإذا حصل الاجماع والاتفاق، ارتفع النزاع والشقاق، وكذلك إذا اشتهر أمر بين السلف وظهر، فلا وجه للانصراف عنه إلى ما شذ وندر.
فقد علم أن الميزان الذي لا عيب فيه، ولا نقص يعتريه، هو الرجوع إلى كلام الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، لأنه موضح وكاشف لحكم سيد المرسلين.
Bogga 529
ولما اختلفت الأخبار في بعض ما أوردناه وشرحناه، لزم الرجوع إليهم، والاعتماد في تصحيح الأخبار - بعد الله - عليهم.
على أن الأخبار الدالة على جواز ما منعه المانعون أكثر موردا، وأوفر عددا، وأقرب إلى ظاهر الكتاب والسنة وكلام الأصحاب.
وفقنا الله وإياكم لأدراك حقائق الأمور، والتوفيق للسعادة يوم النشور، وجعلنا من المتمسكين بالعروة الوثقى، والمتشوقين إلى دار الآخرة التي هي خير وأبقى، والله ولي التوفيق، وبيده أزمة التحقيق.
الفصل الثالث في بيان الميزان التي يرجع إليها إذا تشابهت الأمور وهي ما عليه الصحابة والتابعون، وما أجمع عليه المسلمون. قال الله تعالى:
(ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) (1) وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) (2).
وعن ابن عمر، أنه قال: لا تجتمع أمتي - أو قال: (أمة محمد) - على ضلال. ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، رواه الترمذي (3).
وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إتبعوا السواد الأعظم، فأنه من شذ شذ في النار (4).
وعن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فأن الشيطان مع الفرد، وهو من الاثنين أبعد (5).
وعن أسامة بن شريك (6)، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أيما رجل يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه،
Bogga 530
رواه النسائي (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله أجاركم من ثلاث خلال، وعد منها:
أن تجتمعوا على الضلال (2).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما اجتمعت أمتي على الخطأ (3).
وقال علي عليه السلام: في بعض خطبه: عليكم بالسواد الأعظم، وإن الشاذة للذئب (4).
وعن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وعن رزين، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: سألت ربي عن اختلاف أصحابي، فأوحى إلي: إن أصحابك بمنزلة النجوم. بعضها أقوى من بعض، ولكل نور، فمن أخذ بما هم عليه من اختلافهم، فهو عندي على هدى (5). وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها هلك (6).
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لو سلك الناس واديا، وسلك الأنصار واديا أو شعبا، لسلك وادي الأنصار (7).
وعن زيد بن أرقم (8)، قال: قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا، فقال:
أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين:
كتاب الله فيه الهدى، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، رواه مسلم (9).
وعن جابر (10)، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجه يخطب، فسمعته يقول: يا أيها
Bogga 531
الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، رواه الترمذي (1).
وقريب منه ما رواه زيد بن أرقم (2).
وعن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وآله: إقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر (3).
وعن جبير بن مطعم (4)، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن امرأته قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن لم أجدك فإلى من أرجع، فقال: إئت أبا بكر (5).
وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وضع الحق على لسان عمر يقول به (6).
وعن أبي داود، عن أبي ذر، قال: إن الحق وضع على لسان عمر يقول به (7).
وعن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال: لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب (8).
وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (9).
وعن عبد الله بن عمرو (10)، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، رواه الترمذي (11).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار، رواه الترمذي (12).
Bogga 532
وعن عمار، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا سلك الناس طريقا، وسلك علي غيره، فأسلك طريق علي عليه السلام.
وعن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كان مستنا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما. إلى أن قال: فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على إثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرتهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، رواه رزين (1).
وعن عرباض بن سارية (2)، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووعظ ثم قال: إنه من يعيش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فأن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، (رواه أحمد، وغيره) (3).
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه: من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية (4).
وعن الحارث الأشعري (5)، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من خرج عن الجماعة قدر شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن من فارق الجماعة قدر شبر مات ميتة جاهلية (6).
وعن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أمته تفترق ثلاث وسبعين فرقة، وليس فيها ناج سوى واحدة، فسئل عنها، فقال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي (7).
إلى غير ذلك من الأخبار.
Bogga 533
ومقتضى ذلك أنه من اللازم الرجوع إلى سيرة الصحابة وطريقتهم، وانها الميزان إذا اشتكلت علينا الأمور، وتعارضت علينا الأدلة، وسيتضح أن جميع ما ينكر من هذه الأفعال الموردة صادرة عن الصحابة، وطريقتهم مستمرة عليه، مع أن في السنة ما يدل على جوازه.
وما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا (1)، فلا ينافي ما ذكرناه، لأن فرقة الإسلام بين طوائف الكفر كنقطة في بحر.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنتم في الناس إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود (2). وعوده غريبا في أيام الدجال، ونحوه يكفي في صدق الخبر.
وروى عبد الله بن مسعود (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، رواه مسلم (4).
وعن أبي سعيد الخدري (5) عن النبي أنه قال: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الدنيا الله (6).
وكل ما صدر في زمان الصحابة من الأعراب بمحضر منهم ولم ينكروه، فهو موافق لرضاهم، وإلا لأنكروه. ولهذا أوردنا في هذه الرسالة كثيرا مما صدر في زمانهم من غيرهم.
وعلى كل حال، فلا كلام في أن الأدلة فيها عام، وفيها خاص، وفيها ناسخ، وفيها منسوخ، وفيها مجمل، وفيها مبين، وفيها مطلق، وفيها مقيد، ومنها قطعي الصدور ظني الدلالة، ومنها قطعي الدلالة ظني الصدور، ومنها ظنيهما، ومنها قطعيهما. ومن جهة اختلاف السند: منها صحيح، وضعيف، وحسن، وموثق، وقوي إلى غير ذلك.
فإذا تعارضت الأدلة، فلابد من النظر إلى المرجحات: من جهة السند، أو من جهة
Bogga 534
الدلالة، أو من جهة سبك العبارة، أو من جهة كثرة الرواية، أو من جهة شهرة الفتوى، أو من جهة موافقة الأصول ومخالفتها، أو من جهة موافقة العمومات ومخالفتها، أو من جهة موافقة الكتاب وعدمها، إلى غير ذلك.
فإذا فقدت المرجحات، وقامت الحيرة، فلا يبقى مدار إلا على سيرة الأصحاب، وطريقتهم، والنظر إلى ما هم عليه صاغرا عن كابر، وما عليه الأول والآخر.
وما نحن عليه اليوم من طريقة القوم أكثر الروايات موصلة إليه، وطريقة الأصحاب والصحابة مستمرة عليه، وقد ذكرت منها قليلا من كثير ليعلم حال السلف، ويرتفع الإنكار على خلفهم.
فيا أخي فوحق من رفع السماء، وبسط الأرض على الماء، إني لما أحببتك لمكارم أخلاقك، وحسن سيرتك مع الناس، وإرفاقك، أخشى عليك من سراية القدح إلى المشايخ الكبار، (1) والعلماء الأبرار، الذين هم للشارع نواب، ولأبواب الشرع بواب (2)، عصمنا الله وإياكم، وكفانا شر الجهل وكفاكم، والله الموفق.
وأما المقاصد فثمانية:
المقصد الأول في تحقيق ضروب الكفر وأقسامه كثيرة:
أولها: كفر الإنكار بإنكار وجود الإله، أو ابات أن غير الله هو الله، أو بإنكار المعاد، أو نبوة نبينا أشرف العباد.
ثانيها: كفر الشرك بإثبات شريك للواحد القهار، أو في النبوة للنبي المختار.
ثالثها: كفر الشك، بالشك في إحدى الثلاثة التي هي أصول الإسلام في غير محل النظر، ولا عبرة بالأوهام (3).
Bogga 535
رابعها: كفر الهتك لهتك حرمة الدين، بالبول على المصحف، أو في الكعبة، أو سب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم.
خامسها: كفر الجحود، بأن يجحد باللسان أصول الإسلام، ويعتقدها بالجنان، قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) (1).
سادسها: كفر النفاق، بأن ينكر في الجنان، ويقر باللسان، كما قال تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين) (2).
سابعها: كفر العناد، بأن يقر بلسانه، ويعتقد بجنانه، ولم يدخل نفسه في ربقة العبودية، بل يتجرأ على الحضرة القدسية، كإبليس (لعنه الله).
ثامنها: كفر النعمة، بأن يستحقر نعمة الله، ويرى نفسه كأنه ليس داخلا تحت منة (3) الله.
تاسعها: كفر إنكار الضروري (4).
عاشرها: إسناد الخلق إلى غير الله على قصد الحقيقة.
وليست جميع المعاصي العظام مخرجة عن الإسلام، فأن المعاصي لا تنفك على الدوام، حتى في مبدأ حدوث الإسلام ، ولذلك وضعت الحدود والتعزيزات، وأقيمت الأحكام على ممر الأوقات.
نعم قد يطلق على كثير منها اسم (الكفر) تعظيما للذنب، وتحذيرا منه، وتشبيها لمؤاخذته، لعظمها بمؤاخذة الكفر.
فهو إذن في الشرع قسمان: كفر صغير، لا يخرج عن اسم الإسلام. وكبير مخرج عن اسمه بلا كلام.
ولو بنينا على أن كل ما أطلق عليه اسم الكفر يكون مكفرا، لم تنج إلا شرذمة قليلة من الورى. فاطلاق اسم الكفر قد يكون استعظاما للذنب - كما مر -، وقد يراد أنه ربما أنجر بالأخرة إلى ذلك. كما ورد في الحديث: إن في قلب المؤمن نكتة بيضاء، فإذا عصى
Bogga 536
الله إسود منها جانب، وهكذا إلى أن يتم سوادها، فذلك الذي طبع الله على قلبه (1).
ومما يدل على أن لفظ (الكفر) يطلق على سائر المعاصي كثيرا في كلام الشارع منها: ما رواه أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا دين لمن لا عهد له (2).
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن (3).
وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن علامة النفاق الكذب، وسوء الخلق، والخيانة (4).
وعن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن النفاق عبارة عن أربع: الخيانة، والكذب، والغدر، والفجور (5).
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المراء في القرآن كفر (6).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يترك (7) حضور الجماعة إلا منافق (8).
وعن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه (9).
وعن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرقي والتمائم من الشرك (10).
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من قال: مطرنا بكوكب كذا، فهو كافر (11).
Bogga 537
وعن زيد بن خالد (1)، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من قال: مطرنا بنوء كذا، فهو كافر (2).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أتى حائضا أو امرأته في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد، رواه الدارقطني، وابن ماجة، والترمذي (3).
وروى عن عمر بن لبيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرياء الشرك الأصغر (4).
وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرياء الشرك الخفي (5).
وعن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن يسير الرياء شرك.
وعن شداد بن أوس (6)، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من صلى برياء (7)، فقد أشرك، ومن صام برياء، فقد أشرك، ومن تصدق برياء، فقد أشرك.
وروي: إن تارك الصلاة كافر (8)، إلى غير ذلك.
بل قلما يسلم شئ من المعاصي من إطلاق اسم الكفر، فلا تبقى ثمة حدود ولا تعزيرات، ولزم الحكم بالارتداد، وكفر العباد، ولا ينجو من الكفر إلا قليل من الأحياء والأموات، ولنادت الخطباء بذلك على رؤوس الأشهاد، ولشاع ذلك في أقاصي البلاد، مع أن المعهود من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين معاملة الناس على الاكتفاء بأظهار الشهادتين.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا الشهادتين.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: يتشبه بالنساء، فنفاه إلى (البقيع)، فقيل: يا رسول الله ألا تقتله؟ فقال: نهيت عن قتل المصلين.
Bogga 538