فهذا أعدل شاهد، وأوضح عاضد، على أن تقرير العلماء للملوك على ما فعلوه في الكعبة المعظمة، من إصلاح ما وهى وتشعث من سقفها وغيره، دال على جواز ذلك واستحسانه، وأنه لا مساغ لإنكاره، وأنه متى عرض فيها نحو ميل أو انكسار لشيء من خشبها أو نحو ذلك، بودر إلى إصلاحه وترميمه على أكمل الوجوه اللائقة بحرمتها وأبهتها وجلالتها.
ومما يزيد ذلك وضوحا، أن السبكي رحمه الله تعقب ترجيح الرافعي والنووي رحمهما الله عدم جواز تحلية الكعبة، حيث قالا: ((الأظهر أنه لا يجوز تحلية الكعبة))، فقال: ((كيف يكون ذلك، وقد فعل في صدر هذه الأمة، وقد تولى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عمارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عن الوليد بن عبد الملك، وذهب سقفه؟!
فإن قيل: إنه فعل امتثالا لأمر الوليد.
فالجواب: أن الوليد وأمثاله من الملوك، إنما تصعب مخالفتهم فيما لهم غرض يتعلق بملكهم ونحوه، أما مثل هذا -وفيه توفير عليهم في أموالهم- فلا يصعب مراجعتهم فيه، فسكوت عمر بن عبد العزيز وأمثاله وأكبر منه -مثل سعيد بن المسيب وبقية فقهاء المدينة وغيرها- دليل لجواز ذلك.
بل أقول: ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعد ذلك الخلافة، وأراد أن يزيل ما في جامع بني أمية من الذهب، فقيل له: إن لا يتحصل منه شيء يقوم بأجرة حكه، فتركه.
والصفائح التي على الكعبة يتحصل منها أشياء كثيرة، فلو كان فعلها حراما لأزالها في خلافته؛ لأنه إمام هدى، فلما سكت عنها وتركها وجب القطع بجوازها)). اه.
Bogga 39