وإذا استدل السبكي بتقرير العلماء وغيرهم للوليد على ما ابتدعه وأحدثه في الكعبة من فرشها بالرخام، مع عدم الاحتياج إليه، مع كونه -أعني الوليد- من أئمة العسف والجور، وسوغ -أعني السبكي- هذا الفعل لسكوت الناس عليه، فما بالك بترميم وإصلاح ما وهى من الكعبة وتشعث؟!
فليكن سكوت الناس على ما فعل منه في الأعصار، دليلا ظاهرا على الجواز في ذلك من باب أولى؛ لأن هذا أمر ضروري أو محتاج إليه، وفرش الرخام ليس فيه إلا محض الزينة وإظهار أبهة البيت وجلالته في نفوس العامة، فتأمل هذا؛ فإنه دليل واضح جلي على ما قلناه من جواز إصلاح الخلل الذي في نحو سقف الكعبة، وتتميم ما تشعث منها.
بل يؤخذ من كلام السبكي هذا، أنه يجوز أن يحدث فيها كل ما يليق بتعظيمها وأبهتها وجلالتها، وإن لم يحتج إليه؛ فإن فرش الرخام لا يحتاج إليه [البيت] ألبته، وإنما فيه محض زينة وجلالة، فإذا جاز فرش الرخام فيها لما ذكره السبكي، فليكن كل ما في معناه مثله.
ويؤيده: أن العلماء وغيرهم أقروا الملوك وغيرهم على تغيير بابها، المرة بعد المرة، مع الصلاحية وعدم الاحتياج للتغيير، وكذلك غيروا عتبتها المرة بعد المرة، وميزابها المرة بعد المرة، كما سيأتي بيان كل ذلك.
وليس الحامل للفاعلين على ذلك، إلا إظهار أبهة الكعبة، وأنه لا يليق بجلالتها بقاء ما خلق أو عتق فيها، فلذلك جسروا على تغيير تلك الأشياء، وأقرهم العلماء وغيرهم على ذلك ولم ينكروا عليهم.
فإن قلت: يحتمل أن عدم إنكارهم لعلمهم بأن أولئك الملوك، لا يمتثلون أوامرهم، فحينئذ لا يستدل بسكوتهم.
Bogga 37