وبينما كانت عفيفة تتكلم، قرع جرس المنزل، فأقبل البستاني يخبر بأن هماما واقف، فلم يكمل حديثه حتى قرع الجرس ثانية، فقال البستاني: إن قرعه لثالث مرة كسره لا محالة.
قال فؤاد: اذهب إلى عملك، ولا تفتح لأحد أيا كان، ثم قال له: مؤكد أن القارع هو خالي همام.
قال: نعم يا سيدي، فإني عرفته حق المعرفة، وقد صعدت من برهة وجيزة على شجرة لأقطع بعض أغصانها فرأيته مقبلا يدخل من بيت إلى بيت، فلا يمكث أن يخرج وعليه علامات الكدر، فكأنه يبحث عن شيء فلا يجده، ولعله يسأل عن منزل للأجرة.
ولما نطق البستاني بما نطق عاد إلى عمله، أما عفيفة فكانت جالسة في مكانها لا تتحرك، وعلى وجهها الشحوب، وكانت تشعر بانقباض وانكماش زائدين، فقال لها فؤاد: ما بالك يا عفيفي متغيرة، أراك مرعوبة ولونك شاحبا؟
قالت: ظننت القادم علينا خليلا زوج والدتي المرحومة.
قال: جاء ظنك في غير محله، كيف تتصورين أنه يدري بمكانك هنا؟
قالت: قد تقوده الصدفة كما قادت خالك إلينا.
على أن فؤادا علم أن حضور همام خاله لم يكن بطريق الصدفة كما ظنت عفيفة، بل إنه حضر للتفتيش عليه عمدا، فكتم ذلك عن محبوبته؛ لئلا يشتد اضطرابها، ويزيد انشغال بالها، وجعل يسكن قلبها، ويبرهن لها أن من المستحيل على خليل الاهتداء إلى عزلتها، ويؤكد لها أنه قد نسيها، فلا تخطر في باله، وما زال حتى سكن روعها، ثم استأذنها بالانصراف قائلا: إني وعدت والدتي بأن أقابلها في الساعة السادسة لحاجة ضرورية جدا، فلا يمكني أن أتخلف عن موعدي.
قالت: آن الأوان، فاذهب إليها. ثم نظرت إلى السماء وقالت: ربي متى أذهب للقيا والدتي؟
قال فؤاد: هلا تزيلين من عقلك هذه الأفكار المضنية، وتنفين عنك الأكدار؟
Bog aan la aqoon