قال فؤاد: إني أعرف طبعك يا خالي، فالمزاح غالب عندك، وتحب التهكم في كل شيء، ولكني أشهد لك بلطف الذوق وسلامته، وأنك تقدر الأمور قدرها، وتعطي الجمال حقه، فأرجوك أن تعيد النظر إلى الفتاة مدققا فيها، ثم بعد ذلك تعلمني هل تستحق وصفي وأكثر منه أم لا؟
قال همام: مضى علينا الوقت وفرغ صبري، فوالله لو عرضت علي نساء العالم لما ساوين عندي طحنة ضرس، فقد اشتد بي الجوع وزاد ضجري من غلاظة غانم التي بلغت النهاية، فإن طال الزمن وقعت في داء يكون سببه غانما وابنه، قبح الله كل (ثقيل).
وبينما همام يتكلم والغضب يعمي بصره أقبل خادم الفندق، فتباشر همام برؤيته، وابتسم منشرحا مسرورا سرور قوم نوح حين عادت الطير إليهم تحمل عرق الزيتون.
قال الخادم: إن المائدة قد أعدت للطعام فتفضلوا.
فاتجه الثلاثة الرفاق نحو الفندق، وكان همام في مقدمتهم يسرع في جريه فقابلوا في أثناء الطريق شقيقة غانم وعلى وجهها الحزن الشديد والغم الكثير، فكأنما قد زادت أوجاعها، وكثرت آلامها بمكوثها في الفندق، غير أن همام لم ينتبه إليها لاشتغال فكره بالطعام. أما فؤاد فأمال رأسه مسلما، وأما سعيد فلم يعرفها؛ لأن الفقر والغم غير حالتها بعد فراقها وغيبتها سبع سنوات.
مرت المرأة المذكورة أمامهم، واستمرت سائرة إلي مخزن الخياطة، فوقفت برهة تنظر إلى داخله متنهدة ثم سارت في سبيلها.
الفصل الثالث
ندع هماما ورفيقيه عائدين إلى الفندق، ونحدث القارئ بما جرى من الحديث بين غانم وشقيقته.
بخروج همام وفؤاد جلست كريمة شقيقة غانم على كرسي، وجعلت تنظر إلى أخيها منتظرة منه المجابرة، وأن يترحب بها ويبش في وجهها ويفرح بمقابلتها بعد طول فراقها وغيبتها؛ فخاب ظنها وضاع الأمل، فإن أخاها كان يرمقها شزرا، ويلحظها بعين الغضب والانزعاج وفكره مضطرب اضطراب البخيل من سؤال المسكين، فكأنه قد خشي أن تكون زيارتها لطلب صدقة، فانتظر أن تبادره بالكلام، فإذا بها لبثت صامتة، فلما طال على ذلك الأمد قال لها مغاضبا: تكلمي فإنه لا يليق قضاء الوقت سكوتا والأصحاب في انتظاري خارجا ... أخبريني باختصار عما ترغبين مني.
فانقبض قلب الشقيقة عند سماعها هذا الكلام الخشن، وعظم الأمر عليها، فأطرقت في الأرض، وأذرفت الدموع الساخنة.
Bog aan la aqoon