Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Noocyada
17
والملامتية فرقة متميزة من فرق زهاد المسلمين، لها طابعها الخاص وحياتها الروحية الخاصة بالرغم من أنهم يعتبرون عادة من بين طوائف الصوفية. وقد تنبه إلى الفروق الواضحة بين الملامتي والصوفي بعض رجال التصوف ومؤرخيهم؛ فأشار إليها السلمي في رسالته وابن عربي في فتوحاته والسهروردي في عوارف المعارف والتهانوي في كشافه. أما السلمي فيقسم أرباب العلوم والأحوال؛ أي أهل العلم الظاهر والعلم الباطن أو أهل الرسوم وأهل الحقائق، إلى ثلاثة أقسام: علماء الشريعة المشتغلين بظواهر الأحكام وهؤلاء هم الفقهاء، وأهل المعرفة بالله المنقطعين إلى الله الزاهدين فيما فيه الخلق من أسباب الدنيا الذين جعلوا همهم في الله فكانوا له وبه وإليه، وهؤلاء هم الصوفية. والطائفة الثالثة هم أولئك الذين زين الله بواطنهم بالقرب والاتصال به فلم يكن للافتراق إليهم سبيل، وقد غار الحق عليهم لئلا يعرف الخلق أحوالهم فأظهر للخلق منهم صفاتهم الظاهرة التي تدل على معنى الافتراق لكي يسلم لهم حالهم معه تعالى، وجعل من أسنى أحوالهم ألا يؤثر باطنهم في ظاهرهم لئلا يفتتن بهم الناس، وهؤلاء هم الملامتية، فالصوفية مع الله أشبه بموسى عليه السلام لما ظهر أثر باطنه في ظاهره عندما كلمه ربه فلم يطق أحد النظر إليه. والملامتية مع الله أشبه بمحمد عليه السلام، لم يؤثر باطنه في ظاهره بعد ما ناله من القرب والدنو عندما رفع إلى المحل الأعلى، فلما رجع إلى الخلق تكلم معهم في أمور دنياهم كما لو كان واحدا منهم، وهذا أكمل العبودية.
18
فالفرق الأساسي بين الصوفي والملامتي في نظر السلمي هو أن الصوفي ينم ظاهره عن باطنه وتظهر عليه أنوار أسراره في أقواله وأفعاله؛ لذلك لا يتحرج الصوفي عن إظهار الدعاوى كما فعل الحلاج وغيره، ولا عن إعلان ما يفتح الله به عليه من أسرار الغيب، ولا عن الخروج إلى الناس بكرامة يظهرها الله على يديه. أما الملامتي فحفيظ على سر الله يكتم في نفسه ما بينه وبين ربه. ثم هو فوق ذلك لا دعوى له لأن الدعاوى في نظره رعونات وجهل، ودليل على عدم التحقق من التقصير. ولا يظهر الملامتي كرامة خوفا من أن تكون الكرامة ابتلاء من الله يمتحن بها غرور النفس وعجبها، وخوفا من أن يفتتن الناس به.
19
أما ابن عربي فيستعمل اسم «الملامتية» في معنى أوسع بكثير مما يفهمه السلمي، فهو لا يدل عنده على طائفة معينة من طوائف الزهاد، ولا يشير إلى وجهة نظر معينة في الدين أو في حياة الطريق الصوفي، بل هو اسم لصنف من أهل الله يعيشون في كل زمان ومكان لهم صفات خاصة يتميزون بها من غيرهم: يزيدون وينقصون بحسب الوقت الذي يظهرون فيه. وليس موطنهم خراسان ولا نيسابور ولا شيخهم حمدونا القصار ولا أبا حفص أو أبا عثمان الحيري، على الرغم من أنه يذكر من مشايخ نيسابور ممن تحقق بمقام الملامتية حمدونا القصار خاصة، كما يذكر من بين من تحقق بهذا المقام أبا سعيد الخراز وأبا يزيد البسطامي وأبا السعود بن الشبل وعبد القادر الجيلاني وغيرهم من مشايخ الصوفية على اختلاف طبقاتهم وبلادهم، ويعد نفسه واحدا من الملامتية إذ يقول: «وهو (أي مقام الملامتية) حالنا.»
20
بل إن ابن عربي يتوسع في معنى «الملامتي» إلى حد إطلاقه على النبي
صلى الله عليه وسلم
بدعوى أن مقام الملامتية هو مقام القرب من الله، وهو مقام
Bog aan la aqoon