Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Noocyada
وقول الآخر: «وأهل الملامة أظهروا للخلق ما يليق بهم من أنواع المعاملات والأخلاق وما هو نتائج الطباع، وصانوا ما للحق عندهم من ودائعه المكنونة.»
14
وإلى ملامة النفس وملامة الغير تشير عبارة أبي حفص وقد سئل عن مذهبه فقال: «أهل الملامة قوم قاموا مع الحق تعالى على حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم على جميع ما أظهروا من أنواع القرب والعبادات، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه وكتموا عنهم محاسنهم، فلامهم الخلق على ظواهرهم ولاموا أنفسهم على ما يعرفونه من بواطنهم.»
15
وهذا أكمل تعريف نعرفه للفكرة الأساسية في المذهب الملامتي، وفيه تظهر ناحيتا الملامة بكل وضوح كما تظهران في تعاليم الملامتية التي لخصها السلمي في رسالته وشرحنا أمهات مسائلها في هذا القسم عند الكلام على «أصول الملامتية».
ولا تكاد تخرج التعريفات العديدة التي أوردها السلمي لمذهب الملامتية عن هذا المعنى الذي أشار إليه أبو حفص . أما المعاني الصوفية التي تفرعت عن هذه الفكرة الأساسية كالإخلاص في الطريق، والرياء في القول والعمل والنية، ونحو ذلك، فقد عالجناها بشيء من التفصيل في جزء آخر من هذا البحث.
ويذهب ابن عربي الذي أفرد للملامتية صفحات عدة في كتابه «الفتوحات المكية» إلى أنهم اختصوا بهذا الاسم لأمرين: «الواحد يطلق على تلامذتهم لكونهم لا يزالون يلومون أنفسهم في جنب الله ولا يخلصون لها عملا تفرح به تربية لهم؛ لأن الفرح بالأعمال لا يكون إلا بعد القبول وهذا غائب عن التلامذة. وأما الأكابر فيطلق عليهم لستر أحوالهم ومكانتهم من الله حين رأوا الناس إنما وقعوا في ذم الأفعال واللوم فيها فيما بينهم لكونهم لم يروا الأفعال من الله وإنما يرونها ممن ظهرت على أيديهم، فأناطوا اللوم والذم بها، فلو كشف الغطاء ورأوا الأفعال لله لما تعلق اللوم بمن ظهرت على يديه، وصارت الأفعال عندهم في هذه الحالة كلها حسنة شريفة.»
16
ولا يخفى ما في عبارة ابن عربي هذه من إشارة إلى مذهبه في وحدة الوجود التي يهضم فيها فكرة الملامتية كما هضم غيرها من أفكار المذاهب الأخرى الصوفية وغير الصوفية.
ويضع ابن عربي الملامتية في أعلى درجات السالكين من أهل الله ويعتبرهم الكاملين من أهل الطريق؛ ولهذا يلتمس لاحتجابهم عن الخلق وظهورهم فيهم بما ينطق الناس بلومهم سببا آخر غير الذي ذكرناه: ذلك «أنهم لو ظهرت مكانتهم من الله للناس لاتخذوهم آلهة.» فلما احتجبوا عن العامة بالعادة انطلق عليهم في العادة ما ينطلق على العامة من الملام فيما يظهر عنهم مما يوجب ذلك. ثم يقول: «وهذه الطريقة مخصوصة لا يعرفها كل أحد، انفرد بها أهل الله.»
Bog aan la aqoon