============================================================
الناس وهيهات ؛ فالمحبة يدعيها كل أحد، فما أسهل الدعوى وما أعز المعني، ولو ذكرت لك شروط المحبة وما به تتحقق. . لعرفت آني واياك عنها بمعزل: واعلم : أن حقيقة المحبة وشروطها أذكره - إن سهل الله سبحانه وتعالى- في تصنيف ستيته : "إشراق الصباح في حياة الأرواح" ، وأبين فيه شروط المحبة - في باب المحبة منه - أحسن بيان إن شاء الله تعالو (1).
ثم اعلم : آن هذه المحبة إذا حصلت.. ترتب عليها آثارها من كون المحب مع المحبوب في دار واحدة، ولا يلزم أن تكون منزلتهما وأجرهما سواء، ويا لها من نعمة ما أسبغها! ومن سعادة ما أعظمها! ومن تجارة ما أربحها! اذ قد أسعد الله عز وجل هذذه الأمة بأن جعل مقتصدها إذا صدق في الحب.. كان مع سابقها، واذا كان الصحابة رضوان الله عليهم قد فرحوا بذلك فرحا لم يفرحوا بعد الإسلام بمثله. فما ظنك بالذين جاؤوا من بعدهم، لا سيما في زماننا هذذا ؟
وثانيها : أن هذذا الكتاب موضوع لحياة القلوب وصلاحها، ونجاة النفوس وفلاحها، وللنظر في سيرة من سلف من أئمة الدنيا وأعلامها ؛ لأن أخبار الأخيار. . دواء القلوب، وجلاء الألباب: وكل ذلك باعث لي ولغيري إلى التنبه من رقدة الغفلة، والتجافي عن دار الغرور والمهلة؛ فإن الناظر كلما نظر في سيرهم وأحوالهم، وما كانوا عليه من زهدهم في الدنيا ، طلاق بعضهم لها، بل بعضهم لم تخطر له على بال. . يوجب له ذلك سلوك سبيلهم، والاجتهاد في متابعة طريقهم، فهي - والله - طريق النجاة، والفوز بالدرجات، وبها تنال السعادة الأبدية، والنعم السرمدية، التي لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ولمثله كان يدأب العارفون.
وأعظم من ذلك وأكبر : رضوان الله عز وجل، والنظر إلى وجهه الكريم: فاجتهد أيها المسكين- وكلنا ذلك المسكين- في فكاك رقبتك واعلم : أن حياتك أمامك، فتدارك فوات حظك من الله عز وجل قبل أن لا يمكن (1) ولخص المؤلف - رحمه الله - كلاما في المحبة من الكتاب المذكور، وسيأتي- إن شاء الله تعالن- في ترجمة نون المحب رضي الله عنهم أجمعين
Bogga 96