وفي الفنون الزراعية صار لدينا مختبرات وحقول للتجارب لا بأس بها ندرس فيها أمراض الزروع وحشراتها ونجرب أنواع النباتات والحيوانات الزراعية وأصنافها لكننا ما تجاوزنا في كل ذلك حد الدرس. وإذا كان هنالك أصناف نباتية مفيدة أوجدناها كقطن السكالاريدس في مصر أو كان هناك حشرات عرفنا أطوار حياتها كحشرلت القطن والبرتقال وغيرها فالفضل في ذلك يعود إلى الأساتذة الأوربيين في الغالب.
وهكذا حالنا في العلوم السائرة طبيعية كانت أم رياضية أم فلسفية وتلخص بأن كل ما بذلناه ونبذله من الجهود لا يتعدى حد هضم بعض العلوم التي أوجدها الغربيون وبأننا صرنا نتعرف حقائق هذا الكون بأساليب يقينية وطرائق علمية بدلًا من الأساليب والطرائق الغيبية القديمة. لكننا ما برحنا مقصرين عن علماء الغرب في كل أبحاثنا وما برح البحث العلمي الذي غايته كشف المجهول من غوامض هذه الطبيعة شيئًا يأتيه رجال الغرب وحدهم إلا قليلًا.
ويبدو تقصيرنا حتى في تعرف بلادنا واستقصاء أمورها. وقد سابقنا علماء أوربا وأميركا في دارنا فكانوا المجلين في هذا المضمار شأنهم فيغيره زكنا فساكل يأتون في آخر الحلبة. ولنتخذ الشام مثلًا فهو مدين إلى بلانكنهورن ولارته وزموفن في الكشف عن طبقات أرضه وإلى فورسكال وشوينفورت وبوست في درس نباتاته ودرس بعض ألفاظها العربية، وإلى (رو) في بيان معادنه علميًا واقتصاديًا وإلى غزول في درس أسماكه ومصايد أنهاره وبحاره، وإلى علماء عديدين في وصف مصانعه وآثاره الخ. . . . ولعل بعض دروس شخصية درسها عدد من بعض رجالنا في دمشق تتناول بعض موضوعات اجتماعية وأخلاقية وزراعية مما سأفرد له بحثًا خاصًا هو كل ما لم يسبقنا الغربيون إليه في هذا الصدد وكأني بهم لو سابقونا في هذه الموضوعات أيضًا لسبقونا ولبذونا لما لهم من الجلد العجيب على تتبع دقائق الأبحاث العلمية.
وإذا انتقلنا من العلوم إلى اللغة العلمية نصطدم بأبحاث لا تحصى ليس لها ألفاظ في لغتنا العربية لأنه من البديهي أن أجدادنا ما فكروا في وضع ألفاظ لعلوم ومخترعات ومصنوعات كانوا بها جاهلين. فماذا فعلنا نحن أما هذا النقص المخيف وهو في الحقيقة نقص لا تزيله سوى جهود علماء يتوفرون عليه في أنحاء العالم العربي تعاضدين متساندين
1 / 35