الثاني: يقال: ما حكم النية، هل هي ركن أو شرط؟
والجواب: جمهور الفقهاء على أنها ركن لأنها داخل العبادة.
وذهب جماعة على أنها شرط وإلا لافتقرت إلى نية أخرى، كما في أجزاء العبادة، والأولون أجابوا عن ذلك بلزوم التسلسل.
وفصل شيخ الإسلام ابن حجر بأن إيجادها أول العمل ركن، واستصحابها حكمًا لأنه لا يأت بمناف لما شرط (١) .
والثالث: يقال ما محل النية؟
ويجاب: بأنها محل القلب في كل موضع، فلا يكفي التلفظ بها باللسان مع غفلة القلب، ولا يشترط التلفيظ مع القلب، بل القلب كافٍ لكن يستحب أن يتلفظ بما ينوي بقلبه ليساعد اللسان القلب، فلو نوى بقلبه وتلفظ بلسانه واختلف اللسان القلب فالعبرة بما في القلب، فلو أراد الإنسان أن يصلي الظهر فنوى بقلبه الظهر وبلسانه العصر، صحت صلاته إذ العبرة بما في القلب، فلو نوى في هذه الصورة بقلبه العصر وبلسانه الظهر لم تصح عملًا بما القلب، ولو سبق لسان الإنسان إلى اليمين بلا قصد كأن قال: والله اشتريت ولم يكن اشترى لا ينعقد يمينه، ولا يلزمه كفاره يمين، وكذا لو قصد الحلف على شيء فسبق اللسان إلى غيره، هذا في الحلف بالله، أما إذا سبق اللسان إلى الحلف بالطلاق، فإنه يقع ولا يقبل قوله: «سبق لساني إليه» بلا قصد ظاهر لتعلق حق الغير، ومثله العتق فلو سبق لسان السيد إلى العتق كأن قال لعبده: «أنت حر» بلا قصد فإنه يعتق، ولو حلف الإنسان أن لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه، فإنه لا يحنث قال للكل سلام عليكم ونوى بقلبه إلا فلانًا، بخلاف ما لو حلف أن لا يدخل على زيد فدخل على
_________
(١) قال ابن حجر في الفتح (١/٥٣): واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط؟
والمرجح أن إيجادها ذكرًا في أول العمل ركن، واستصحابها حكمًا بمعنى: أن لا يأتي بمناف شرعًا شرط، ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور، فقيل: تعتبر، وقيل: تكمل، وقيل: تصح، وقيل: تحصل، وقيل: تستقر.
قال الطيبي: كلام الشارع محمول على بيان الشرع، لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان، فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع، فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي.
وقال البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالًا أو مآلًا، والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه.
1 / 118