وقال الشعبي رحمه الله تعالى: لما طعن عمر بن الخطاب أتى بلبن فشرب منه، فخرج اللبن من طعنته، فقال: الله أكبر وعلم أنه يموت، وجعل جلساؤه يثنون عليه خيرًا، فقال: وددت أن أخرج منها كفافًا كما دخلت، لا عليَّ ولا ليَّ، والله لو كان لي اليوم ما طلعت الشمس لافتديت به من هول المطلع، ولما احتضر غشي عليه، وكان رأسه على الأرض، فوضع ولده عبد الله رأسه في حجره، فلما أفاق قال له: ضع رأسي على الأرض فقال ابنه: يا أبت هل الأرض وحجري إلا سواء، قال: ضع رأسي بالأرض كما أمرتك، فوضعه فمسح خديه بالتراب، ثم قال: ويل لعمر، ويل لأم عمر إن لم يغفر الله لعمر، فإذا قبضت فأسرعوا بي إلى حفرتي، فإنما هو خير تقدموني إليه، أو شر تضعونه عن رقابكم.
ولما توفي ﵁ أظلمت الأرض فجعل الصبي يقول: يا أماه أقامت القيامة؟ فتقول: لا يا بني ولكن قتل عمر.
وقال علي ﵁ لما مات: وآعمراه قوَّم الأود، وأبر العمد، ومات تقي الثوب، قليل العيب.
وروي أنه لما احتضر قال لابنه: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك السلام عمر، ولا تقل أمير المؤمنين فإني اليوم لست للمؤمنين أميرًا، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي، فلما أقبل ابنه عليه قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين أُذنت، فقال: الحمد الله ما كان شيء أهم لي من ذلك، فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب ﵁ فإن أذن لي فأدخلوني فإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين.
غسله ولده الزاهد عبد الله الأكبر، وهو أفضل أولاده، وكان له عشرة أولاد ذكور، وكفنه في ثوبين سجوليين، ودفنه بالحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام.
وكان له من البنات حفصه، وزينب، تزوج رسول ﵁ بنته حفصه سنة ثلاث من الهجرة، وكان الإسلام في حياته كالرجل المقبل لا يزد إلا قربًا، فلما قتل كان الإسلام كالرجل المدبر، لا يزداد إلا بعدًا، ونظم بعضهم في هذا المعني فقال:
لقد أصبح الإسلام فيه كآبة ... لفقدك يا فاروق يا سيدي عمر
وقد كان في عز بوجهك مقبلًا ... فها هو قد ولى وها هو قد دبر
1 / 101