وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله تعالى كذا أفاده الزركشي في البرهان.
وقال أبو حيان : ذهب بعض من عاصرناه إلى أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تركيبه ، بالإسناد إلى مجاهد وطاوس وعكرمة وأضرابهم. وأن فهم الآيات يتوقف على ذلك ، قال : وليس كذلك. قال الزركشي بعد حكاية ذلك : الحق أن علم التفسير ، منع ما يتوقف على النقل ، كسبب النزول ، والنسخ ، وتعيين المبهم ، وتبيين المجمل. ومنه ما لا يتوقف. ويكفي في تحصيله الثقة على الوجه المعتبر. قال : وكان السبب في اصطلاح كثير على التفرقة بين التفسير والتأويل ، والتمييز بين المنقول والمستنبط ، ليحيل على الاعتماد في المنقول وعلى النظر في المستنبط. قال : واعلم أن القرآن قسمان : قسم ورد تفسيره بالنقل ، وقسم لم يرد. والأول إما أن يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو رؤوس التابعين. فالأول يبحث فيه عن صحة السند ، والثاني ينظر في تفسير الصحابي ، فإن فسره من حيث اللغة ، فهم أهل اللسان ، فلا شك في اعتماده ، أو بما شاهده من الأسباب والقرائن ، فلا شك فيه. وإن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة ، فإن أمكن الجمع فذاك ، وإن تعذر قدم ابن عباس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بذلك حيث قال : «اللهم علمه التأويل». وقد رجح الشافعي قول زيد في الفرائض لحديث «أفرضكم زيد» (1).
وأما ما ورد عن التابعين ، فحيث جاز الاعتماد فيما سبق ، فكذلك ، وإلا وجب الاجتهاد.
وأما ما لم يرد فيه نقل ، فهو قليل ، وطريق التوصل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها واستعمالها بحسب السياق.
وقال الإمام ابن خلدون في مقدمة «العبر» في علوم القرآن :
وأما التفسير : فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب ، وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه ، وكان ينزل جملا جملا ،
Bogga 10