وحاصل هذا الكلام أن المراد بالظاهر هو المفهوم العربي ، والباطن هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه ، فإن كان مراد من أطلق هذه العبارة ما فسر ، فصحيح. ولا نزاع فيه. وإن أرادوا غير ذلك فهو إثبات أمر زائد على ما كان معلوما عند الصحابة ومن بعدهم ، فلا بد من دليل قطعي يثبت هذه الدعوى. لأنها أصل يحكم به على تفسير الكتاب.
فلا يكون ظنيا. وما استدل به إنما غايته ، إذا صح سنده ، أن ينتظم في سلك المراسيل وإذا تقرر هذا فليرجع إلى بيانهما على التفسير المذكور بحول الله. وله أمثلة تبين معناه بإطلاق. فعن ابن عباس : كان عمر يدخلني مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فقال له عبد الرحمن بن عوف : أتدخله ولنا بنون مثله؟ فقال له عمر : إنه من حيث تعلم. فسألني عن هذه الآية : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فقلت : إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه. وقرأ السورة إلى آخرها. فقال عمر : والله ما أعلم منها إلا ما تعلم.
فظاهر هذه السورة أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسبح بحمد الله ويستغفره إذ نصره الله وفتح عليه. وباطنها أن الله نعى إليه نفسه.
ولما نزل قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ... ) [المائدة : 3] فرح الصحابة ، وبكى عمر وقال : ما بعد الكمال إلا النقصان. مستشعرا نعيه عليه السلام . فما عاش بعدها إلا أحدا وثمانين يوما. وقال تعالى : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت .. ) [العنكبوت : 41] الآية. قال الكفار : ما بال العنكبوت والذباب يذكر في القرآن. ما هذا الكلام لإله فنزل ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) [البقرة : 26] فأخذوا بمجرد الظاهر ، ولم ينظروا في المراد. فقال تعالى : ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ... ) الآية.
ويشبه ما نحن فيه نظر الكفار للدنيا واعتدادهم منها بمجرد الظاهر الذي هو لهو ولعب ، وظل زائل. وترك ما هو المقصود منها ، وهو كونها مجازا ومعبرا لا محل سكنى. وهذا هو باطنها على ما تقدم من التفسير.
ولما قال تعالى : ( عليها تسعة عشر ) [المدثر : 27 و30] نظر الكفار إلى ظاهر العدد. فقال أبو جهل ، فيما روي : لا يعجز كل عشر منكم أن يبطشوا برجل منهم. فبين الله تعالى باطن الأمر بقوله : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ... )
Bogga 41