Mahasin Tawil
محاسن التأويل
Noocyada
الشراشر على المعازة والمعارة ، ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط ، وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط : إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر ، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر. وقد جرد لهم الحجة أولا ، والسيف آخرا ، فلم يعارضوا إلا السيف وحده. فما أعرضوا عن معارضة الحجة إلا لعلمهم أن البحر قد زخر فطم على الكواكب ، وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب ، وبذلك يظهر أن في قوله تعالى : ( ولن تفعلوا ) معجزة أخرى ، فإنهم ما فعلوا ، وما قدروا ، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم.
قال الحافظ ابن كثير : ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم عمرو ، فقال له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال له عمرو : لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة. فقال : وما هي؟ فقال : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ). ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال : ولقد أنزل علي مثلها. قال : وما هو؟ فقال : يا وبر يا وبر! إنما أنت أذنان وصدر. وسائرك حفر نقر ثم قال : كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو : والله إنك لتعلم إني أعلم أنك تكذب! ..
وحيث عجز عرب ذلك العصر ، فما سواهم أعجز في هذا الأمر ...! وقد مضى إلى الآن أكثر من ألف وثلاثمائة عام ، ولم يوجد أحد من معاديه البلغاء إلا وهو مسلم ، أو ذو استسلام ، فدل على أنه ليس من كلام البشر ، بل كلام خالق القوى والقدر ، أنزله تصديقا لرسوله ، وتحقيقا لمقوله. وهذا الوجه أعني بلوغه في الفصاحة والبلاغة إلى حد خرج عن طوق البشر كاف وحده في الإعجاز ، وقد انضم إليه أوجه :
(منها) إخباره عن أمور مغيبة ظهرت كما أخبر. و (منها) كونه لا يمله السمع مهما تكرر. و (منها) جمعه لعلوم لم تكن معهودة ، عند العرب والعجم. و (منها) إنباؤه عن الوقائع الخالية ، وأحوال الأمم. والحال أن من أنزل عليه ، صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ ، لاستغنائه بالوحي ، وليكون وجه الإعجاز بالقبول أحرى. وبذلك يعلم أن القرآن أعظم المعجزات ، فإنه آية باقية مدى الدهر ، يشاهدها كل حين بعين الفكر كل ذي حجر. وسواه من المعجزات انقضت بانقضاء وقتها ، فلم يبق منها إلا الخبر.
وقد ذهب بعض علماء الشيعة في وجه إعجازه إلى : كونه قاهرا لمن
Bogga 272