Mahasin Tawil
محاسن التأويل
Noocyada
بضوء هذه النار وعلى هذا فالتمثيل مرتبط بما قبله. فإنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى مثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم ، وتركه إياهم في الظلمات.
قال الزمخشري في الكشف : ولضرب العرب الأمثال ، واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني ، ورفع الأستار عن الحقائق ، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق ، والمتوهم في معرض المتيقن ، والغائب كأنه مشاهد وفيه تبكيت للخصم الألد ، وقمع لسورة الجامح الأبي.
ولأمر ما ، أكثر الله في كتابه المبين ، وفي سائر كتبه أمثاله ، وفشت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام الأنبياء والحكماء. قال الله تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [العنكبوت : 43].
و (والمثل) في أصل كلامهم بمعنى : المثل وهو النظير. يقال : مثل ، ومثل ، ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده : مثل. ولم يضربوا مثلا ، ولا رأوه أهلا للتسيير ولا جديرا بالتداول والقبول ، إلا قولا فيه غرابة من بعض الوجوه. ومن ثم حوفظ عليه ، وحمي من التغيير.
فإنه لو غير لربما انتفى الدلالة على تلك الغرابة. وقيل : إن المحافظة على المثل إنما هي بسبب كونه استعارة. فوجب لذلك أن يكون هو بعينه لفظ المشبه به. فإن وقع تغيير ، لم يكن مثلا ، بل مأخوذا منه ، وإشارة إليه كما في قولك : بالصيف ضيعت اللبن بالتذكير.
وقال بعضهم : قد استعير المثل للحال ، أو القصة ، أو الصفة إذا كان لها شأن ، وفيها غرابة كأنه قيل : حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد نارا. وكذلك قوله ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) [الرعد : 35] أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة الشأن ، ثم أخذ في بيان عجائبها ( ولله المثل الأعلى ) [النحل : 60] أي : الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة. ( مثلهم في التوراة ) [الفتح : 29] أي : صفتهم وشأنهم المتعجب منه.
ولما في المثل من معنى الغرابة قالوا : فلان مثلة في الخير والشر ، فاشتقوا منه صفة للعجيب الشأن.
Bogga 257