يختلف فهمه بحسب حالين ، وبحسب مخاطبين ، وبحسب غير ذلك. كالاستفهام لفظه واحد ، ويدخله معان أخر ، من تقرير وتوبيخ وغير ذلك. وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها. ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة. وعمدتها مقتضيات الأحوال. وليس كل حال ينقل ، ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول. وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة ، فات فهم الكلام جملة ، أو فهم شيء منه. ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط ، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بد. ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال. وينشأ عن هذا الوجه.
الوجه الثاني : وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات ، مورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال ، حتى يقع الاختلاف ، وذلك مظنة وقوع النزاع. ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيد عن إبراهيم التيمي ، قال : خلا عمر ذات يوم ، فجعل يحدث نفسه : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟! فأرسل إلى ابن عباس فقال : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد ، وقبلتها واحدة؟! فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين! إنا أنزل القرآن علينا فقرأناه ، وعلمنا فيم نزل. وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيم نزل ، فيكون لهم فيه رأي ، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا ، اقتتلوا. قال فزجره عمر وانتهره! فانصرف ابن عباس. ونظر عمر فيما قال ، فعرفه ، فأرسل إليه فقال : أعد علي ما قلت. فأعاده عليه ، فعرف عمر قوله وأعجبه. وما قاله صحيح في الاعتبار ، ويتبين بما هو أقرب. فقد روى ابن وهب عن بكير أنه سأل نافعا : كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال : يراهم شرار خلق الله ، إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار ، فجعلوها على المؤمنين. فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه ، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن.
ثم ساق الشاطبي نحو ما تقدم عن ابن تيمية مطولا ، وقال في آخر البحث ، وهذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزل ، بحيث لو فقد ذكر السبب ، لم يعرف من المنزل معناه على الخصوص ، دون تطرق الاحتمالات ، وتوجه الإشكالات. وقد قال عليه السلام : خذوا القرآن من أربعة ، منهم عبد الله بن مسعود (1). وقد قال
Bogga 22