وزعموا أن عمرو بن معدي كرب الزبيدي هجم في بعض غاراته على شابّة جميلة منفردة فأخذها، فلما أمعن بها بكت، فقال: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لفراق بنات عمي، كن مثلي في الجمال وأفضل مني، خرجت معهن فانقطعنا عن الحي، قال: وأين هن؟ قالت: خلف ذلك الجبل ووددت إذ أخذتني أخذتهن، فأخذ إلى الموضع الذي وصفته فما شعر بشيء حتى هجم على فارس شاكٍّ في السلاح فعرض عليه المصارعة فصرعه الفارس ثم عرض عليه ضروبًا من المناوشة فغلبه الفارس في كلها، فسأله عمرو عن اسمه فإذا هو ربيعة بن مكدم، فاستنقذ الجارية منه.
وعن عطاء أن مخارق بن عفان ومعن بن زائدة لقيا رجلًا ببلاد الشرك ومعه جارية لم يريا مثلها شبابًا وجمالًا فصاحا بها ليخلي عنها، ومعه قوس فرمى وهابا الإقدام عليه، ثم عاد ليرمي فانقطع وتره وسلّم الجارية وأسند في جبل كان قريبًا منه، فابتدرا الجارية وفي أذنها قرط فيه درة فانتزعه بعضهما من أذنها، فقالت: وما قدر هذا؟ لو رأيتما درّتين معه في قلنسوته، وفي القلنسوة وتر قد أعده فنسيه من الدهش! فلما سمع قول المرأة ذكر الوتر فأخرجه وعقده في قوسه، فوليا ليست لهما همة إلا النجاء وخليا عن الجارية.
قيل: واستودع رجل رجلًا مالًا ثم طالبه به فجحده، فخاصمه إلى إياس بن معاوية القاضي وقال: دفعت إليه مالًا في مكان كذا وكذا، قال: فأي شيء كان في ذلك الموضع؟ قال: شجرة، قال: فانطلق إلى ذلك الموضع وانظر إلى تلك الشجرة فلعل الله أن يوضح لك هناك ما تبين به حقك أو لعلك دفنت مالك عند الشجرة فنسيت فتذكر إذا رأيت الشجرة، فمضى، وقال إياس للمطلوب منه: اجلس حتى يرجع صاحبك، فجلس وإياس يقضي وينظر إليه بين كل ساعة ثم قال: ترى صاحبك بلغ موضع الشجرة؟ قال: لا، فقال: يا عدو الله أنت الخائن! قال: أقلني أقالك الله! فأمر بحفظه حتى جاء خصمه فقال له: خذه بحقك فقد أقرّ.
قال: واستودع رجل رجلًا كيسًا فيه دنانير فغاب وطالت غيبته فشقّ المستودع الكيس من أسفله وأخذ الدنانير وجعل مكانها دراهم وخيطه والخاتم على حاله، فجاء الرجل بعد ست عشرة سنة فقال: مالي. وطالب به، فأعطاه الكيس بخاتمه، فنظر إليه وإذا ماله دراهم، فأحضره مجلس إياس، فقال إياس للطالب: ماذا تقول؟ قال: أعطيته كيسًا فيه دنانير، فقال: منذ كم؟ قال: فإذا ست عشرة سنة، قال: فضّا الخاتم، ففضاه، فقال: انثرا ما فيه، فنثراه، فإذا هي دراهم بعضها من ضرب عشر سنين وأكثر وأقل، فأقر بالدنانير وألزمه إياها حتى خرج منها.
قال: وأودع رجل رجلًا من أمناء إياس مالًا وحج، فلما رجع طالبه فجحده، فأتى إياسًا فأخبره، فقال: أتعلم أنك أخبرت غيري بذلك؟ قال: لا، قال: فهل علم أنك أعلمتني؟ قال: لا، قال: أفنازعته بحضرة أحد؟ قال: لا، قال: فانصرف واكتم أمرك ثم عد إلي، ودعا إياس أمينه ذلك فقال: قد حضر مال كثير وقد رأيت أن أودعك إياه وأصيره عندك فارتد له موضعًا وأتني بمن يحمله معك. فمضى الأمين، وعاد الرجل إلى إياس فقال له: انطلق إلى صاحبك فطالبه بمالك فإن أعطاك وإلا فقل إنك تعلمني، فأتاه فقال له: اعطني مالي وإلا أتيت القاضي فأعلمته، فدفع إليه ماله، وصار إلى إياس فقال: قد رد مالي عليّ، وجاء الأمين إلى إياس في موعده فانتهره وقال: اخرج عني يا خائن.
قال: وأراد معاوية أن يوجه ابنه يزيد إلى غزو الصائفة وكره يزيد ذلك وأنشأ يقول:
تجنّى لا تزال تعدّ ذنبًا ... لتقطع وصل حبلك عن حبالي
فيوشك أن يريحك من أذاتي ... نزولي في المهالك وارتحالي
1 / 63