وعن الهيثم بن الحسن بن عمارة قال: قدم شيخ من خزاعة أيام المختار فنزل على عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، فلما رأى ما تصنع شيعة المختار به من الإعظام له جعل يقول: يا عباد الله أبالمختار يصنع هذا؟ والله لقد رأيته تبيع الإماء بالحجاز! فبلغ ذلك المختار فدعا به فقال: ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال: الباطل، فأمر بضرب عنقه، فقال: لا والله لا تقدر على ذلك! قال: ولم؟ قال: أما دون أن أنظر إليك وقد فتحت مدينة الدمشق حجرًا حجرًا وقتلت المقاتلة وسبيت الذرية ثم تصلبني على شجرة على نهر! والله إني لأعرف الشجرة الساعة وأعرف شاطيء ذلك النهر! قال: فالتفت المختار إلى أصحابه فقال لهم: أما إن الرجل قد عرف الشجرة، فحبس حتى إذا كان الليل بعث إليه فقال: يا أخا خزاعة ومزاح عند القتال! فقال: أنشدك الله أن أُقتل ضياعًا! قال: وما تطلب ها هنا؟ قال: أربعة آلاف درهم أقضي بها ديني. قال: ادفعوها إليه وإياك أن تصبح بالكوفة، فقبضها وخرج.
وعنه قال: كان سراقة البارقي من ظرفاء أهل المدينة فأسره رجل من أصحاب المختار فأتى به المختار وقال: أسرت هذا، فقال: كذبت والله ما أسرني هذا إنما أسرني رجل عليه ثياب بيض على فرس أبلق! فقال المختار: أما إن الرجل قد عاين، يعني الملائكة، خلّوا سبيله، فلما أفلت أنشأ يقول:
ألا أبلغ أبا إسحاق عني ... رأيت الدُّهم بلقًا مصمتات
أري عينيّ ما لم تبصراه ... كلانا مولعٌ بالترهات
كفرت بدينكم وجعلت نذرًا ... عليّ قتالكم حتى الممات
وعنه قال: خرج الأخوص بن جعفر المخزومي يتغدى في دير اللجّ وذلك في يوم شديد البرد ومعه حمزة بن بيض وسراقة البارقي، فلما كانا على ظهر الكوفة وعليه الوبر والخز وعليهما أطمار قال حمزة لسراقة: أين يذهب بنا هذا في هذا البرد ونحن في أطمارنا؟ قال سراقة: أن أكفكيه. فبينا هو يسير إذ لقيهم راكب مقبل فحرك سراقة دابته نحوه وافقه ساعةً ولحق بالأخوص، فقال: ما خبّرك به الراكب؟ قال: زعم أن خوارج خرجت بالقطقطانة، قال: بعيد. قال: إن الخوارج تسير في ليلة ثلاثين فرسخًا وأكثر، وكان الأخوص أحد الجبناء فثنى رأس دابته وقال: ردوا طعامنا نتغدى في المنزل، فلما حاذى منزله قال لأصحابه: ادخلوا، ومضى إلى خالد بن عبد الله القسري فقال: قد خرجت خارجة بالقطقطانة، فنادى خالد في العسكر فجمعهم ووجّه خيلًا تركض نحو دير اللج لتعرف الخبر، فانصرفوا وأعلموه أنه لا أصل للخبر، فقال للأخوص: من أعلمك هذا؟ قال: سراقة، قال: وأين هو؟ قال: في منزلي، فأرسل إليه من أتاه به فقال: أنت أخبرته عن الخارجة؟ قال: ما فعلت أصلح الله الأمير، فقال له الأخوص: أوتكذبني بين يدي الأمير؟ قال خالد: ويحك اصدقني! قال: نعم أخرجنا في هذا البرد وقد ظاهر الخز والوبر ونحن في أطمارنا هذه فأحببت أن أرده، فقال له خالد: ويحك وهذا مما يتلاعب به؟! وكان سراقة ظريفًا شاعرًا وهو الذي يقول:
قالوا سراقة عنّينٌ فقلت لهم: ... ألله يعلم أني غير عنّين
فإن ظننتم بي الشيء الذي زعموا ... فقربوني من بنت ابن يامين
وذكروا أن شبيب بن يزيد الخارجي مر بغلام مستنقع في ماء الفرات فقال له: يا غلام اخرج إليّ أسائلك، فعرفه الغلام، فقال: إني أخاف، أفآمن أنا إن خرجت حتى ألبس ثيابي؟ قال: نعم، فخرج وقال: والله لا ألبسها اليوم، فضحك شبيب وقال: خدعني ورب الكعبة! ووكل به رجلًا من أصحابه يحفظه ألا يصيبه أحد من أصحابه بمكروه.
قال: وكان رجل من الخوارج قال في قصيدة له:
ومنا يزيد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
فسار البيت حتى سمعه عبد الملك بن مروان فأمر بطلب قائله، فأُتي به، فلما وقف بين يديه قال: أنت القائل: ومنا أميرُ المؤمنين شبيب؟ قال: لم أقل هكذا يا أمير المؤمنين، قال: فكيف قلت؟ قال: قلت ومنا أميرَ المؤمنين شبيب، فضحك عبد الملك وأمر بتخلية سبيله، فتخلص بحيلته وفطنته لإزالة الإعراب عن الرفع إلى النصب.
1 / 62