قالوا: وكان ملك الروم أهدى لهارون الرشيد جملة سيوف قلعية فأمر الرشيد بإحضار الصمصامة ليحتقر عنده سيوف الروم، فجعل يقط بها السيوف سيفا سيفا كما يقط الفجل، ثم أراهم حد الصمصامة فإذا ليس به فل ولا أثر من تقطيع تلك السيوف، فلما هلك ذو قيفان، ولي مملكة التبابعة لخيعة ذوشناتر، ولم يكن من أهل بيت الملك، وأغرى بالأحداث من بني الملوك، فكان يطالبهم بما تطالب به النسوان.
فكان ممن طالبه بهذه الخصلة ذا نواس، فاتفقت له معه قضية كانت السبب في قتله، وهي مشهورة، فلما استراح أهل اليمن من لخيعة على يديه؛ ولوه عليهم، وكان على دين اليهود، فشكى عليه يهود نجران غلبة النصارى لهم، وذلك أنه وقع بين النصارى واليهود فتنة بنجران، فنهض ذو نواس إلى نجران بالجنود فحفر الأخدود، وأضرم فيه النار، وخير النصارى بين الرجوع عن دينهم وأن يحرقهم بالنار فمنهم من رجع ومنهم من لم يرجع، وفيه وفيهم نزلت هذه الآيات:{قتل أصحاب الأخدود }[البروج:4] إلى آخرها، فلما صنع ذو نواس بالنصارى ما صنع؛ غضب ذو ثعلبان الأصغر من ولد ذي ثعلبان الأكبر، ومضى إلى ملك الحبشة ودينه دين النصارى فاستنجده، وشكا إليه ما صنع ذو نواس؛ فبعث معه قائدا في ثلاثين ألفا إلى اليمن، فلقيهم ذو نواس، وقال : نحن سامعون مطيعون فدونكم اليمن فهذه مفاتيحه، فابعثوا من يقبض لكم خزائنه، وأتي بمفاتيح تحملها إبل كثيرة، فكتب بذلك القائد إلى النجاشي يشاوره، فكتب إليه أن اقبل الطاعة منهم، فافترقت الحبشة في مخاليف اليمن.
Bogga 154