ولكن عباس محمود العقاد ينتقل إلى رحمة الله قبل أن يعقد المجمع هذه الجلسة، ونحن في اليوم التالي نرى طه حسين يملي على سكرتيره مقالا لجريدة الجمهورية، يقول فيه:
وكذلك فارقتنا أيها الأخ الكريم والصديق الحميم والزميل العزيز، فارقتنا فجأة على غير إذن لنا بهذا الفراق، وعلى غير انتظار من عوادك وأطبائك ومن أهلك الأقربين، الذين كانوا يحوطونك بعنايتهم ورعايتهم، والذين كنا نسألهم عنك فلا نسمع منهم إلا خيرا كل خير.
ولقد سألتهم أمس حين تقدم الليل فأنبئوني بأنك على خير حال، سعدت بذلك، وعرفت أن الملتقى في مجمع اللغة العربية قريب، ولكني أصبح فإذا النبأ يفاجئني فيقع علي موقع الصاعقة! وأقسم لقد ذهلت له ذهولا أفقدني الشعور بمن حولي وما حولي أو كاد يفقدني هذا الشعور.
إيه أيها الأخ الكريم، إن موتك لا يفجع أسرتك وحدها، ولا وطنك وحده، وإنما يفجع العالم العربي كله، فقد كنت علما من أعلام العروبة الشاهقة، ونجما من نجومها المشرقة، ملأت الدنيا أدبا وحكمة وفلسفة وعلما، تألق نورك بين مواطنيك منذ شبابك الأول وما فتئ أن تجاوز وطنك وأشرق على العالم العربي كله، ثم لم يلبث أن تجاوزه إلى المعنيين بشئون الأدب العربي في جميع أقطار الأرض.
أنت أيها الأخ الكريم والصديق الحميم والزميل العزيز ملأت الدنيا حقا وشغلت الناس حقا، وستشغلهم بعد وفاتك أكثر مما قد شغلتهم في حياتك.
ما أشد ما كان بينك وبيني من خصام في السياسة أحيانا وفي الأدب أحيانا أخرى! وما أحلى ما كان بينك وبيني على ذلك من مودة وإخاء ووفاء!
وينتهي طه حسين من الإملاء، ويطلب إلى السكرتير أن يأخذ المقال لجريدة الجمهورية، وأن يتركه وحده لا يدخل عليه أحد. •••
بعد قليل تدخل السيدة سوزان وتقول: «فريد قال لي إنك لا تريد أن يدخل عليك أحد.»
ويرد طه حسين: «نموت قليلا عندما يغادرنا في هذا الدنيا الأهل والأصدقاء، لقد كنت بالأمس أذكر الأعضاء العشرة الذين دخلت معهم المجمع عام 1940، لقد ودعنا منهم الآن لطفي وهيكل وعبد العزيز فهمي ومصطفى عبد الرازق، كما ودعنا علي إبراهيم والمراغي وعبد القادر حمزة وأحمد أمين والآن العقاد، لم يبق على قيد الحياة من الزملاء العشرة سواي!»
سوزان : «أليست هذه هي سنة الحياة؟ هل تريد أن تستريح في غرفتك؟»
Bog aan la aqoon