آه أيتها القيثارة!
وقلبي
الذي أثخنته بالجراح
خمسة سيوف.
وقد استمرت صداقة لوركا ودي فايا حتى النهاية، وإن كان قد اعتورها بعض الفتور، نتيجة لشعور فايا بالإساءة من بعض سطور قصيدة كتبها لوركا عام 1928م، بعنوان «أنشودة إلى قدس الأقداس»، وأهداها إلى الموسيقار العظيم، وقد غضب دي فايا التقي الورع من تلاعب الشاعر المعتاد بالألفاظ ومن صوره الشعرية الجريئة، وهو يتناول ذلك الموضوع الديني ذا الحرمة التقليدية. وحدث جفاء قصير بين الصديقين، ولكنهما سرعان ما تمكنا من تنقية الجو ونسيان ما حدث. وقد حاول دي فايا بكل الطرق التوسط لإنقاذ صديقه لوركا من مصيره المحتوم من اندلاع الحرب الأهلية عام 1936م، ولكن جهوده كلها راحت أدراج الرياح، كما سوف تعلم في حينه.
وكانت ثانية صداقات لوركا الخلاقة مع الرسام السيريالي «سلفادور دالي»، وقد بدأت تلك الصداقة فور التحاق دالي بالمدينة الجامعية بمدريد عام 1923م، وإلى ما بعد شده الرحال إلى باريس في عام 1929م، بعد طرده من مدرسة الفنون الجميلة بمدريد، وقد أثر سلفادور دالي بآرائه الطليعية في الفن في كثير من زملائه الطلاب. وقد تبلورت تلك الآراء فيما بعد في انضمامه إلى الحركة السيريالية بقيادة «أندريه بريتون» في باريس، وكان من أبرز من تأثروا بدالي وآرائه - عدا لوركا - صديقهما وزميلهما المشترك في المدينة الجامعية «لويس بونيويل»، الذي اشترك مع دالي في عمل أول فيلمين سيرياليين، أثار أولهما - وهو فيلم «كلب أندلسي» - ضجة صاخبة عند عرضه لأول مرة في باريس عام 1928م، رغم أن مدة عرضه لا تزيد على نصف الساعة. وقد كتب دالي سيناريو هذين الفيلمين، وأخرجهما بونيويل. وقد أصبح دالي بعد ذلك إمام الرسم السيريالي، وأصبح بونيويل أمام السمينائيين السيرياليين، وقد فاز بالأوسكار لأحسن فيلم أجنبي عام 1972م عن فيلمه «سحر البرجوازية اللطيف».
وقد جمع بين لوركا ودالي حب التجديد والتطوير الفنيين، علاوة على الرسم الذي كان أحد الموضوعات التي أغرم بها لوركا، وضرب فيها بسهم وافر، حتى إن طبعة أعماله الكاملة تحتوي - بالإضافة إلى أدبه - عددا كبيرا من لوحاته الفنية.
وقد تعمقت الصداقة بين دالي ولوركا في أواخر عام 1925م، بعد دعوة دالي لصديقه الغرناطي لزيارته، وقضاء إجازة عنده في بلدته «قداقش»، وهي بلدة بحرية صغيرة من أعمال «برشلونة» عاصمة مقاطعة قطلونيا في الشمال. وسرعان ما اندمج الشاعر مع أسرة صديقه: هو يسمعهم من قصائده وأغانيه وموسيقاه، وهم يعرضون عليه فنونا قطلونية أصيلة. وفي بيت دالي قرأ لوركا على الأسرة لأول مرة مخطوطة مسرحيته الجديدة «ماريانا بنيدا»، التي لاقت إعجابا دفع الأب إلى دعوة أصدقائه لسماع الشاعر وهو يتلوها عليهم مرة ثانية.
وكان طبيعيا أن ينهمك الصديقان في فترة الزيارة في مناقشات عديدة حول طبيعة الفن وإمكانيات التجديد الفني. وقد تأثر لوركا باتجاه التجديد لدى دالي الذي ينحو نحو السيريالية. وكانت المدرسة السيريالية قد انشقت عن الحركة «الدادائية»، وتأسست كحركة مستقلة على يد الشاعر الفرنسي أندرية بريتون عام 1921م.
وقد تحددت الحركة أكثر عام 1924م، حين أصدر بيرتون ورفاقه بيانا أكدوا فيه سمات الحركة، وأبانوا فيه أن الحرية هي أساس السيريالية، وأول الحرية عند الفنان هي الخلاص من قواعد الفن. وقد انتشرت هذه الحركة بعد ذلك في أوروبا كلها، وصبغت كل الفنون بصبغتها، وإن اختلفت كل حالة عنفا وخفة حسب اختلاف أنواع الفنون. وقد امتدت السيريالية إلى الشعر والقصة، ولكنها كانت أشد ظهورا في الفنون التصويرية، فبرزت في الرسم والتصوير والسينما والنحت.
Bog aan la aqoon