تقديم
غرناطة
المناخ السياسي والثقافي ونشأة الشاعر
حياة المدينة
إلى العاصمة مدريد
مسرحية فاشلة وديوان ناجح
صداقتان حميمتان
مهرجان إشبيلية وديوان الفجر
مجلة أدبية وأزمة نفسية
التجربة الأمريكية
Bog aan la aqoon
لاباراكا وفترة النضج المسرحي
فاجعة مصارع الثيران
1936
غرناطة ولوركا
لوركا والتطهير الدموي
الجريمة كانت في غرناطة
ما وراء الحادث
الشمس تشرق من جديد
مراجع الكتاب
تقديم
Bog aan la aqoon
غرناطة
المناخ السياسي والثقافي ونشأة الشاعر
حياة المدينة
إلى العاصمة مدريد
مسرحية فاشلة وديوان ناجح
صداقتان حميمتان
مهرجان إشبيلية وديوان الفجر
مجلة أدبية وأزمة نفسية
التجربة الأمريكية
لاباراكا وفترة النضج المسرحي
Bog aan la aqoon
فاجعة مصارع الثيران
1936
غرناطة ولوركا
لوركا والتطهير الدموي
الجريمة كانت في غرناطة
ما وراء الحادث
الشمس تشرق من جديد
مراجع الكتاب
لوركا شاعر الأندلس
لوركا شاعر الأندلس
Bog aan la aqoon
تأليف
ماهر البطوطي
تقديم
كان يوما ما زلت أذكره من عام 1961 حين قررت على نحو قاطع أن أتخذ الكتابة والترجمة مهنة أساسية لي. كنت أدرس آخر سنة في قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة، وقد تشبعت بالمقررات الدراسية، خاصة في تلك السنة، وتأثرت برواية «جيمس جويس»؛ «صورة للفنان في شبابه»، التي قرر بطلها نذر نفسه للأدب والفن والجمال بكل أشكاله. كذلك درسنا «همنجواي» وحياته وأسلوبه الجديد في الكتابة. وكنت أتابع ما يصدر من كتب مهمة خارج مقررات الدراسة، فتأثرت بأدب «ألبير كامي» وفلسفته، وكتاب «اللامنتمي» الذي كتبه «كولن ولسون» وأصبح حديث الأدباء.
وكنت قد بدأت القراءة وجمع الكتب منذ كنت في العاشرة من عمري، فنشأت على كتب «توفيق الحكيم» و«طه حسين» و«نجيب محفوظ» و«يوسف السباعي» وشعر «أحمد شوقي». وبدأت أيضا في جمع الكتب والسلاسل الجميلة التي كانت تصدر في مصر في الخمسينيات، ومنها: «الهلال» و«كتاب الهلال» و«روايات الهلال»، و«اقرأ»، و«كتب للجميع»، وكتب ومطبوعات «كتابي» و«الكتاب الذهبي»، وغير ذلك.
وبعد التخرج في الجامعة، عرفت أن من يريد أن يتخذ الكتابة مهنة، فعليه إجادة لغته العربية إجادة تامة، وكذلك ألا يعتمد في معيشته على مكافآت الكتابة؛ فدرست القرآن الكريم وتدبرت آياته ولغته، وقرأت كتب النحو المتاحة، وما طالته يدي من كتب التراث العتيقة. ولم أبدأ الكتابة إلا بعد أن شغلت وظيفة مناسبة بوزارة التعليم العالي بالقاهرة، تترك لي وقتا كافيا بعدها للقراءة والكتابة. ولما كنت أريد الكتابة في النقد الأدبي، كانت أوائل مقالاتي نقدا وعرضا لما أحببته من الكتاب والأدباء. ثم جاءت الترجمة وأفسحت لها بعض الوقت أولا، ثم زحفت على معظم الوقت بعد ذلك. وكان أول كتبي المنشورة عن «إرنست همنجواي»، ثم رواية «جيمس جويس» التي أحببتها. وبدأت في دراسة اللغتين الإسبانية والفرنسية قبل أن تنتدبني الوزارة للعمل ملحقا ثقافيا في مدريد، حيث قضيت أكثر من أربع سنوات.
وبعد عودتي من إسبانيا، قضيت أربع سنوات أخرى بالقاهرة أزود المجلات في القاهرة وبيروت بمقالاتي المؤلفة والمترجمة، قبل أن أتوجه إلى نيويورك للعمل مترجما ثم محررا بالأمانة العامة للأمم المتحدة. وقد عكفت على الكتابة والترجمة عن الأدب المكتوب بالإسبانية من شعر ورواية ومسرحية، حتى أساهم في تشييد جسر ثقافي للقراء العرب إلى تلك الثقافة الثرية. ولكن لم أنس اللغات الأخرى، فترجمت لشاعر الشعب الأمريكي «والت ويتمان» وبعض آثار اللغة الفرنسية، وزاد إنتاجي بعد التقاعد من العمل حتى قاربت أعمالي ثلاثين كتابا.
ولما كانت الكتب الورقية، رغم أهميتها، تذوي وتغيب حروفها بفعل الزمن، فقد رحبت بقيام مؤسسة «هنداوي» بوضع كتبي رقمية على النت لتكون متاحة لمن يريد قراءتها، والمؤسسة بذلك تضطلع بعمل مهم في نشر الثقافة وإتاحتها وحفظها على مر السنين.
غرناطة
سئل لوركا يوما عن سقوط الحكم العربي لغرناطة في عام 1492 ميلادية، فأجاب قائلا: «لقد كان يوما أسود، رغم أنهم يذكرون لنا عكس ذلك في المدرسة، لقد ضاعت حضارة مدهشة، وشعر، وفلك، ومعمار، ورقة لا نظير لها في العالم، وحلت محلها مدينة فقيرة، خانعة، تزخر بطالبي الصدقات، وحيث توجد الآن أسوأ طبقة برجوازية في إسبانيا».
Bog aan la aqoon
وتعد هذه العبارات أصدق دليل على مدى تأثر الشاعر الفنان «فديريكو غرسيه لوركا» بمسقط رأسه وبيئته الغرناطية التي نشأ في أحضانها، بكل ما تنبض فيها من أجواء عربية وأندلسية بقيت آثارها على مر القرون، ولقد استبانت تلك الأجواء في شعره وفي مسرحياته التي استلهم فيها الروح الشعبية في قرى الأندلس ومدنه ... ومن غريب الطالع أن يرتبط موت الشاعر في عام 1936م باسم عربي كذلك؛ إذ إن مصرعه الفاجع قد وقع في بقعة لا تزال تعرف باسمها العربي وهو «عين الدمعة» بقرية «فرنار» من أرباض غرناطة، وهكذا كان مولد الشاعر وموته في تلك المدينة الأندلسية التي ارتبطت باسمه وأعماله. غرناطة، تلك المدينة الحبيبة إلى قلب كل عربي، غرناطة، آخر معقل للإسلام وللعرب في إسبانيا، تلك البلدة الجميلة التي تقع أجزاء منها فوق تلال عدة، وتنبسط أجزاء أخرى تحت أقدام تلك التلال، وتمتد في الغرب منها رقعة واسعة من الأراضي الزراعية شديدة الخصوبة، يغذيها نهرا «حدرة» و«شنيل» - اللذان تغنى بهما شعراء العرب ثم شعراء الإسبان من بعدهم، ومنهم لوركا بالذات - واللذان يستمدان مياههما من ثلوج أعلى جبال المنطقة: «سييرا نيفادا»، التي سماها العرب جبال شلير، وبجوارها جبال البشرات، وتعد تلك الرقعة الزراعية الغرناطية من أخصب المناطق في البلاد وأكفها زراعة، وقد قال عنها الرحالة العرب الأولون: إنها تفوق غوطة دمشق مساحة وخصبا.
وقد فتح العرب غرناطة في مطلع غزوتهم الإسبانية، عام 712م، واتخذوا من موقعها حصنا مكينا، نظرا لما تتمتع به من موقع استراتيجي هام وسط سلاسل جبال منيعة، وعربوا الاسم الروماني لها وهو
Granada - أي الرمانة، الذي أطلق عليها لأنها كانت على شكل يعطي للناظر من بعيد هيئة تلك الثمرة - وجعلوه غرناطة، وقد سيطر العرب على كل أجزاء شبه الجزيرة الأيبيرية ما عدا منطقتين: أشتورياس والباسك في شمال البلاد، وكان فتح الأندلس في عهد سليمان بن عبد الملك والوليد بن عبد الملك، وحين قامت الدولة العباسية، امتد حكم بني أمية في الأندلس على يد عبد الرحمن الداخل وخلفائه، إلى حين سقوط قرطبة عام 1031م، وقد حل محل الأمويين ملوك الطوائف وأشهرهم بنو عباد بإشبيلية، وبنو جهور بقرطبة، وبنو عامر بشاطبة، وبنو هود بسرقسطة، وبنو حمود بمالقة، ثم جاء عصر دولة المرابطين، فدولة الموحدين التي امتد عهدها حتى عام 1269م، وأما غرناطة فكانت خلال الحكم الأموي تدخل في إقليم «ألبيرة»، وبعد سقوط قرطبة استقل بها حاكمها «زاوي بن زيري»، وظل يحكمها «بنو زيري» حتى غلب عليها المرابطون فالموحدون، وفي أواخر حكم الموحدين، ظهر «بنو الأحمر» واستقلوا بغرناطة، وأسسوا فيها عام 1238م «مملكة غرناطة» التي قامت لأكثر من قرنين ونصف من الزمان، وشهدت سقوط المدن العربية الأخرى في يد الإسبان، إلى أن أصبحت آخر مكان حكمه العرب في إسبانيا.
وكانت مملكة غرناطة لا تضم مدينة غرناطة الحالية وحدها، بل كان يدخل فيها مدن «ألمرية» و«مالقة» و«جبل طارق» و«الجزيرة الخضراء» و«رندة»، وأعمال هذه المدن وأرباضها، وازدهرت هذه المملكة تحت حكم بني الأحمر، رغم الاضطرابات السياسية فيها، وتربص الممالك الإسبانية بها، وشيد الملوك فيها المساجد والقصور وزرعوا البساتين، حتى أصبحت أيامها من أجمل مدن العالم، وزارها وتغنى بها الرحالة العرب، مثل «ابن بطوطة» و«ابن جبير»، وبلغت المملكة شأوها في عهد الملك محمد الغني بالله (محمد الخامس)، حين سطع في سمائها عدد من الأدباء والشعراء، على رأسهم الوزير لسان الدين بن الخطيب، مؤلف المرجع الأساسي عن المدينة وعنوانه «الإحاطة في أخبار غرناطة»، وشاعر الأندلس «محمد بن زمرك» صاحب الموشحات الأندلسية.
وتتالى على عرش المملكة بعد ذلك ملوك تراوحوا بين ضعيف وقوي، إلى أن سقطت المملكة في يد الملكين الكاثوليكيين «إيزابيلا وفرديناند» في 2 يناير 1492م، ورحل آخر ملوكها وهو محمد أبو عبد الله، مع كبار الأشراف العرب، إلى المنفى في بلاد المغرب العربي.
ورغم مرور مئات السنين على انتهاء الحكم العربي في غرناطة، لا تزال المدينة وأرباضها - شأنها شأن مدن الأندلس الأخرى ذات التاريخ الإسلامي العريق كقرطبة وإشبيلية - تزهو بالآثار العربية الإسلامية، وتنبئ تحت قشرة الأسماء الإسبانية عن أسماء عربية أو ذات أصل عربي، وأعظم الآثار القائمة بها حاليا وهو قصر الحمراء (
AlHambra
الآن بالإسبانية) وحدائقه المسماة جنة العريف
Generalife ، تشكل مع جامع قرطبة ومنارة الخريدة بإشبيلية أعظم الآثار العربية الباقية في إسبانيا اليوم.
المناخ السياسي والثقافي ونشأة الشاعر
Bog aan la aqoon
كان مولد شاعرنا في أواخر القرن التاسع عشر، في يوم 5 من يونيو 1898م، وكان ذلك العام معلما من المعالم الأساسية في تاريخ إسبانيا، عسكريا وسياسيا وفكريا، ففيه ضرب خط فاصل بين ما تبقى من آثار العظمة الإمبراطورية التي كانت لإسبانيا، وبين صحوتها على الواقع الأليم والمرير بزوال آخر مستعمراتها الكبرى فيما وراء البحار، ففي مطلع ذلك العام، تدهورت العلاقات بين إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن ثار الكوبيون على الاحتلال الإسباني لبلادهم، ومدت الولايات المتحدة يد المساعدة المعنوية للثوار، وطالبت الصحف الأمريكية بالتدخل عسكريا في كوبا لنصرتهم، بيد أن الرئيس الأمريكي آنذاك - وليام ماكنلي - لم ير مبررا لذلك.
ولكن حدث في 15 من فبراير أن وقع انفجار بالسفينة الأمريكية «مين» الراسية في ميناء «هافانا»، أفضى إلى مقتل 260 أمريكيا، واتهمت إسبانيا بتدبير ذلك الانفجار انتقاما للدعم الأمريكي للثوار الكوبيين، فطلب الرئيس الأمريكي الإذن من الكونجرس بالتدخل ضد إسبانيا، فوافق الكونجرس مبينا أنه ليس لأمريكا من هدف وراء ذلك سوى تحقيق الاستقلال الكوبي.
وأعلنت إسبانيا الحرب على الولايات المتحدة في 24 من أبريل، تلاه إعلان الولايات المتحدة الحرب على إسبانيا في 25 من أبريل، وكان للولايات المتحدة اليد الطولى في الحرب بسبب أسطولها البحري المتفوق، ففي 1 من مايو، دمر الأميرال الأمريكي «جورج ديوي» الأسطول الإسباني في مانيلا بالفلبين، مما أسفر عن مصرع 381 إسبانيا، بينما كانت خسائر الأميركيين 8 جرحى فحسب، وعلى نحو مماثل، تم تدمير الأسطول الإسباني في كوبا في 3 من يوليو مع خسائر فادحة للإسبانيين، ومع الهزيمة الساحقة التي نزلت بإسبانيا في هذه الحرب القصيرة الآن، تم في ديسمبر 1898م توقيع معاهدة باريس بين إسبانيا والولايات المتحدة، التي وافقت إسبانيا بمقتضاها على التخلي عن كوبا، وعلى أن تتنازل للولايات المتحدة عن بورتوريكو وجوام والفلبين.
وقد أحدثت هذه الهزيمة المبينة رد فعل عنيفا في أوساط الإسبانيين بكل طوائفهم، وكان رد الفعل لدى المفكرين والأدباء صيحة احتجاج قوية ضد الوضع الإسباني السائد في تلك الفترة، وضد المناخ السياسي والاجتماعي والفكري الذي كان يرين على البلاد أيامها، وتمخض هذا الاحتجاج لدى هؤلاء الأدباء والمفكرين عن حركة أدبية أطلق عليها فيما بعد حركة جيل عام 98، وأبرز شخصيات هذه الحركة هم «أونامونو» و«أثورين» و«باروخا» و«مايتزو» و«أنطونيو متشادو»، وأعمال هؤلاء الأدباء والمفكرين، ومنهم الفيلسوف كاونامونو، والروائي كباروخا، والشاعر كمتشادو، والأديب الجامع كأثورين، تعتبر ثورة على الواقع الإسباني في أواخر القرن التاسع عشر، واقترابا من التيارات الفكرية والثقافية التي سادت أوروبا آنذاك، وخاصة في فرنسا وألمانيا، وكانت الحركة الواقعية في أوروبا - التي اقترنت بالاكتشافات العلمية والطبيعية الحديثة - قد أفسحت المجال لردة رومانسية ومثالية تمثلت في الرومانسيين الجدد.
وهكذا كان الحال مع أدباء جيل 98 في إسبانيا، إذ انعكست فيهم روح من المثالية والرومانسية إزاء ما حل بوطنهم من نكسة كبيرة، وامتزجت تلك الروح بعوامل رومانسية بارزة، مثل الكآبة والنزعة الشخصية الحادة، وجميعهم يبدون حبا دفينا لإسبانيا، بيد أنه لا أحد منهم يقبل تقاليدها، بل هم يبحثون عن صورة لإسبانيا مختلفة عما ألفوه من قبل عنها؛ ولذلك فإن معظم أعمالهم تنصب على الروح الإسبانية والتاريخ الإسباني، والطبيعة في مقاطعات إسبانيا المختلفة. وحاولوا جميعا في أعمالهم تحليل جميع عناصر الواقع الإسباني وتقييمها، وتصور روح إسبانية جديدة، وواقع إسباني جديد، يبزغان من فوق أنقاض الماضي ليشيدا حاضرا ومستقبلا آخرين لبلادهم، ومن ناحية الأسلوب الأدبي، كان أفراد الجماعة يؤمنون بالعودة إلى الأسلوب اللغوي البسيط المجرد من الزخارف اللفظية والمحسنات البديعية، وحاولوا جهدهم البعد عن واقعية القرن التاسع عشر التي تغرق في الوصف المفصل للواقع الخارجي، وتقدمه بصورته التي هو عليها، وتمثلوا منهجا تعبيريا يقدمون به الانعكاسات الشعورية والانفعالية، التي تثيرها الأشياء في نفس الكاتب، وقد تأثر أفراد هذه الجماعة بعدد من أدباء ومفكري أوروبا، أبرزهم «آبسن» و«شوبنهاور» و«نيتشه» و«بسكال» و«كيركجارد» والروائيون الروس.
نشأ لوركا في ظل هذه الحركة الأدبية والفكرية، وتأثر بها في صباه تأثرا بالغا، ذلك أنه ما إن شب عن الطوق، حتى كان نتاج أقطاب الحركة يصبغ الفكر والثقافة في إسبانيا ويسيطر على أذهان المثقفين.
وقد ولد شاعرنا كما قلنا في نفس عام النكبة الإسبانية، وكان أكبر أبناء أحد ملاك الأراضي في مقاطعة الأندلس الجنوبية، فوالده دون «فديريكو غرسيه رودريجز» كان مزارعا ناجحا، له عدة ضياع في غرناطة، وكان الوالد عريض الملامح، خلعت الشمس على وجهه المستدير ويديه سمرة عربية صادقة، وكانت شخصيته مثالا للمواطن الريفي القح، ذي الدخل المريح والسمعة الطيبة، والمهارة في فلاحة الأرض وإدارة المزارع والضياع، ولم يكن يعنيه الشعر في قليل أو كثير، أما أم الشاعر فكانت ذات طبع مختلف؛ فقد كانت دونيا «فيسنتا لوركا روميرو» هادئة متزنة، صغيرة الحجم رقيقة الملامح، ذات صوت طفولي ناعم، وكانت تعمل قبل زواجها مدرسة ومعلمة للموسيقى، وقد تزوجها دون فديريكو بعد وفاة زوجته الأولى التي لم تنجب أطفالا، وقد قال لوركا عن والديه بعد ذلك في مقابلة صحفية: «لقد ورثت حدة العاطفة عن والدي، والذكاء عن والدتي»، وقد تشكل اسم لوركا - حسب التقليد الإسباني العريق - من اسمه الأول الذي يماثل الاسم الأول لأبيه: فديريكو، متبوعا بلقب عائلة الأب: غرسيه، ثم لقب عائلة الأم: لوركا، وقد أنجب الزوجان ولدين هما «فديريكو» و«فرانسسكو»، وبنتين هما «كونسيسيون» و«إيزابل».
وكان مسقط رأس الشاعر في قرية «فوينتي فاكيروس» أي «نبع رعاة البقر»، ومن أعمال غرناطة، في بيت مكون من دورين للأسرة، مقام وسط مدينة صغيرة مسورة يمكن للأطفال اللعب فيها بأمان، وكانت القرية التي يقع فيها المنزل صغيرة، تتكون من بيوت واطئة بيضاء تلتمع فوقها أشعة الشمس، وكانت المشاهد فيها لا تعدو المزارعين يتجهون إلى حقولهم في الصباح الباكر، أو يعودون إلى بيوتهم مع مغرب الشمس، وعربات تجرها الثيران أو الخيول، وقطعان ماشية أو أغنام تسير مهتزة وتثير من حولها سحائب من غبار، وعددا من الدراجات القديمة يعود بها أصحابها من مصنع السكر خارج القرية إلى بيوتهم.
وقد حدث أن أصيب لوركا وهو وليد ذو شهرين من العمر بحمى غريبة مجهولة عرضت حياته للخطر، ولكنها انجابت عنه بخير، ولم تخلف فيه إلا مسحة من ضعف في الساقين عند السير، وجعلته يتأخر في الكلام حتى سن الثالثة، وفي السير حتى الرابعة.
وكانت طفولة لوركا سعيدة مريحة، تزخر باللعب والانطلاق مع أقرانه من صبية القرية وسط الحقول والدروب، وقد قال هو نفسه عن طفولته فيما بعد: «طفولتي هي تعلمي الحروف الأولى والموسيقى على يد أمي، والإحساس بنفسي كابن أحد أغنياء القرية ... كل طفولتي هي القرية، والرعاة، والحقول، والسماء، والوحدة ...» وتميز لوركا منذ طفولته بالشغف بالتأمل والملاحظة ... فحين كان يكف عن اللعب مع أترابه، كان يمضي ساعات وساعات في تأمل الفراشات والهوام والنباتات والزهور، ويحادثها كأنما هي أصدقاؤه، لقد شكل عالم الطبيعة له - بكل ما فيه من تنوع واختلاف - عالما مدهشا منذ البداية، شيئا أشبه بفردوس عامر بمخلوقات تتطلب منه انتباها دائما وملاحظة مستمرة.
Bog aan la aqoon
كذلك استبان للوركا في طفولته عالم خيالي يزخر بالأحداث والقصص والشخصيات الخرافية، نشأ من الحكايات والأساطير الشعبية التي كانت تقصها عليه مربيته وأقاربه وبعض صديقات الأسرة من العجائز، وقد استمد من هذا العالم مادة غزيرة انكب عليها عقله الصبياني يفحصها ويمحصها، حتى تركت في نفسه انطباعا لا يمحى ظهر بعد ذلك في جميع إنتاجه الفني والأدبي؛ إذ إن شاعرنا قد احتفظ بكل تفاصيل هذه القصص من حكايات واقعية إلى خرافات وأساطير، لتظهر بعد ذلك في ثنايا قصائده ومسرحياته، بل وأحيانا في رسومه، وكثيرا ما تبدو تلك الموضوعات على شكل صور تمثل نغمات غلابة تتردد في كتاباته المختلفة، إلى جوار الموضوعات التي تشبع بها كيانه منذ الطفولة، مثل حياة الغجر، ومسرح العرائس والأراجوز، والحرس المدني، وحياة النساء في الريف، فضلا عن المشاهد الطبيعية الريفية، وما يزخر به عالم الطبيعة من عوالم متنوعة من أزهار ونباتات وهوام وطيور وحيوانات وجداول وينابيع وأنهار وبحار، وما إلى ذلك.
كان من بين ما استمع إليه الطفل ما قصه عليه عمه يوما ما عن لصين من قطاع الطرق، لجآ إلى منزل عائلة العم في إحدى الليالي يطلبان ملاذا وطعاما، وعطفت العائلة عليهما فآوتهما في ركن من مخزن الغلال بعد أن زودتهما بالطعام والشراب، وفي منتصف الليل ، استيقظ الجميع على دقات متتالية على الأبواب، معلنة وصول قوات الحرس المدني، أي رجال الدرك والشرطة الإسبان، وظهر الحراس بقبعاتهم المثلثة الشهيرة، وقبضوا على لص من اللصين، بعد أن تبين أن الثاني قد مات في نومه من الجراح التي أصيب بها، وقال الحراس للعم: «وأنت أغلق فمك ولا تقل كلمة عما رأيت!»
وتساءل الصبي في ذعر: وماذا حدث للرجل؟ - لم نسمع سوى طلقة رصاص، وصرخة في الليل البهيم، ثم طلقة رصاص أخرى، ولا شيء بعد ذلك. - لقد قتلوه إذن، لقد قتلوه!
وقال الصبي هذه العبارة، فاغر الفم وعيناه تلمعان من فرط الانفعال.
وقد أبدع الشاعر بعد ذلك في تصوير جو الحرس المدني الإسباني في عدة قصائد مشهورة، معظمها في ديوانه «حكايا الغجر» ومنها قصيدة بعنوان حكاية الحرس المدني، يقول فيها:
الجياد سوداء
وسود حدواتها
وعلى العباءات
تلمع بقع من حبر وشمع،
جماجمهم من رصاص؛
Bog aan la aqoon
لهذا لا يبكون،
ويخبون في طريقهم
بأرواحهم الجلدية البراقة
محنيو الظهور، متسترون بالليل.
وحيثما يحلون
يفرضون صمت المطاط الأسود،
وخوف الرمال الناعمة.
يمرون حينما يبغون المرور،
ويخفون في رءوسهم
فلكا غامضا
Bog aan la aqoon
من مسدسات لا هوية لها!
إن ما فعله لوركا مرارا وتكرارا في أعماله الفنية، هو أنه تناول القصص والنوادر التي قصها عليه معارفه في طفولته، ليصيغ منها بعد ذلك حبكات مسرحياته، كما عمد أحيانا إلى إدخال اللغة البديعية التي اعتاد سماعها في القرى التي عاش فيها، بين ثنايا لغته الشعرية.
وقد قال ذات مرة عن طفولته: «لقد عشت طفولتي في جو كامل من الطبيعة، وككل الأطفال، كونت رأيي بشأن شخصية كل شيء، كل موضوع، كل قطعة أثاث، كل شجرة، كل حجر، وكنت أبادل هذه الأشياء الحديث، وأبادلها الحب، كانت تنمو في صحن دارنا أشجار الحور السوداء، وفي أصيل أحد الأيام، خطر لي أن أشجار الحور تشدو بالغناء، ذلك أن الرياح وهي تمر بين أغصانها كانت تصدر مجموعات من الألحان بدت لي كالموسيقى، وقضيت ساعات أصاحب بصوتي أغنية الأشجار، ويوما آخر، دهشت إذ سمعت شجرة حور سوداء عتيقة تهمس باسمي: ف ... دير ... يكو!»
وفي حديث آخر مع أحد الصحفيين، قال لوركا: «كان لذكرياتي الأولى عبير الأرض، لقد فعل الريف بحياتي فعل السحر، إن للأرض وللهوام وللحيوانات وللفلاحين أفكارا لا تصل إلى الجميع، إنني أسيطر عليها الآن بنفس الروح التي كنت أسيطر عليها بها في طفولتي ... لقد كنت طفلا محبا للاستطلاع، وكنت أتابع آنذاك عملية حرث أرض والدي في أعماق الريف، ولقد أحببت مشاهدة النصال الحديدية الهائلة تفتح جراحا في الأرض، جراحا تنبجس منها الجذور بدلا من الدماء، ومرة اصطدم نصل المحراث بشيء أعاق مسيره، ثم اقتلع كسرة من قطعة خزف رومانية عتيقة، وكان عليها سطور لا أذكرها، وإن بقي منها اسما الراعيين «دافنيس» و«كلو» في ذهني، وكان للاسمين أيضا نكهة الأرض التي أعشقها».
وقد عاش لوركا حتى الحادية عشرة من عمره تقريبا في قلب الريف، إذ إن أسرته انتقلت بعد مقام في «فوينتي فاكيروس» إلى قرية أخرى تدعى أسكيروسا - التي كان العرب يسمونها الشكروجة، والتي تدعى الآن بلدي الربي
Valde Rubio ، وهي في نفس إقليم غرناطة أيضا، حيث كان الأب يملك بعض الأرض ... وهكذا انطبعت حياة الريف في كيان الشاعر، وانطبعت في فؤاده مساحات الخضرة التي تحيط به من كل مكان، وجاءت القصيدة الخضراء، حكاية السارية في نومها، تجميعا لكل هذه العوامل التي تأثر بها لوركا في طفولته وصباه، فهي مزيج من الصور الفنية المستمدة من الريف وأساطيره، وحكايات اللصوص والمهربين، في خلق شعري غنائي جميل:
أخضر، أخضر،
كم أحبك يا أخضر!
رياح خضر، وأفنان خضراء.
السفينة في البحر،
Bog aan la aqoon
والجواد في الجبال،
وهي تحلم في شرفتها،
والظلال تتراقص على خاصرتها،
خضراء الجسد، خضراء الشعر،
وعيناها من فضة باردة.
أخضر، أخضر،
كم أحبك يا أخضر!
على نور قمر الغجر
كل شيء يراها،
وهي لا ترى شيئا. •••
Bog aan la aqoon
أخضر، أخضر،
كم أحبك يا أخضر!
أنجم هائلة
من الصقيع الأبيض
تأتي مع أسماك الظلام؛
لتشق طريقا للفجر.
وشجرة التين
تدلك هواءها برمال فروعها .
والجبل،
كالقطة السارقة،
Bog aan la aqoon
ينصب صباراته الحارقة
ولكن، من ذا القادم؟
وإلى أين يقصد؟
وتتمهل الفتاة في شرفتها
خضراء الجسد، خضراء الشعر
تحلم بالبحار المريرة! ••• - «أي رفيقي،
ألك أن تقايض جوادي بمنزلك؟
ألك أن تبادل مسرجي بمرآتك؟
ألك أن تبادل خنجري ببساطك؟
أي رفيقي،
Bog aan la aqoon
لقد أتيت مثخنا بالجراح
من عند بوابات «قبره».»
1 - «لو أمكنني أيها الشاب
لأتممت هذه الصفقة بيننا،
ولكني لم أعد أنا!
كما لم يعد منزلي بعد منزلي!» - «أي رفيقي،
أريد أن أموت بسلام في فراشي
على سرير حديدي، إن أمكن ذلك،
وملاءات من الحرير الهولندي.
ألا ترى جراحي
Bog aan la aqoon
تمتد من صدري إلى عنقي؟» - «ثلاثمائة زهرة داكنة
يحملها صدر قميصك،
دماؤك حارة
تصطخب من حول ضماداتك،
ولكني لم أعد أنا!
كما لم يعد منزلي بعد منزلي!» - «دعني على الأقل
أصعد إلى الشرفات العليا،
دعني أصعد! دعني!
إلى الشرفات الخضراء،
شرفات القمر،
Bog aan la aqoon
حيث تنهل المياه» •••
ويصعد الرفيقان إلى الشرفات العليا
ووراءهما خيط من الدماء،
وراءهما خيط من الدموع،
ومصابيح صفيحية صغيرة
ترجف على الأسطح،
وآلاف من المزامير
تثخن الفجر بالجراح. •••
أخضر، أخضر،
كم أحبك يا أخضر!
Bog aan la aqoon
رياح خضر، وأفنان خضراء،
ويصعد الرفيقان ...
والرياح المتطاولة
تترك مذاقا غريبا في الشفاه،
مذاق مر ونعناع وريحان! - «أي رفيقي، أين هي؟
أين تلك الفتاة المريرة؟» - «آه ... كم مرات انتظرتك!
وكم ستنتظر مرات ومرات
في تلك الشرفة الخضراء
مشرقة الوجه،
سوداء الشعر!» •••
Bog aan la aqoon
وتراقصت الفتاة الغجرية
على سطح خزان المياه،
خضراء الجسد، خضراء الشعر
وعيناها من فضة باردة،
وثؤلول من القمر
يحملها على صفحة المياه،
وانسدل الليل أليفا
كالساحة الصغيرة،
ورجال الدرك سكارى
يبقون على الأبواب ...
Bog aan la aqoon
أخضر، أخضر،
كم أحبك يا أخضر!
رياح خضر، وأفنان خضراء.
السفينة في البحر،
والجواد في الجبال.
وإلى جانب هذا التعليم الفطري الذي ناله الشاعر من الطبيعة حوله، ومن حياة الحقول ونسيج الأساطير والحكايات الشعبية، بدأ حصيلته في فترة مبكرة؛ فقد اهتمت والدته - وهي المدرسة أصلا - بتلقينه مبادئ اللغة والعلوم بنفسها، وأشربته حب الموسيقى ومبادئها منذ نعومة أظفاره، ثم انتظم في مدرسة القرية - التي كان يشرف عليها ويدرس فيها الأستاذ «أنطونيو اسبينوزا»، وهو صديق حميم لأسرة لوركا، الذي سرعان ما فطن إلى المواهب الباكرة التي يتمتع بها ذلك الصبي، فتوفر على تطوير النزعات الفنية فيه، وقد بادله الصبي ودا بود، وصل إلى أنه حين نقل الأستاذ عام 1908م إلى مدينة «المرية» الساحلية، قررت الأسرة أن ترسل ابنها بصحبته، تلميذا في مدرسته، ومقيما في منزله، حتى يستمر في تلقي التعليم الذي بدأه على يديه.
ولكن إقامة لوركا في «المرية» لم تكن موفقة؛ إذ سرعان ما غلبه الحنين إلى أسرته وبلدته، وافتقد الجو الحاني الذي كان يحيطه به أبواه، وأخيرا سقط فريسة المرض، وتورم وجهه من جراء الميكروب الغامض الذي هاجمه، حتى اضطر الآب إلى أن يعيده إلى البيت، ولم يرسل به بعيدا عن الأسرة بعد ذلك، وكانت حصيلة هذه التجربة المريرة، أولى محاولات لوركا الأدبية؛ إذ إنه كتب خلال فترة مرضه قصيدة هزلية قصيرة، شبه نفسه فيها بوجهه المنتفخ بسلطان مراكش آنذاك، وهي تمثل جانبا آخر من جوانب خياله الممتلئ بالصور العربية.
وقد بدأ في تلك الفترة - عام 1908م وما بعده - شغف لوركا بالقراءة والمطالعة، وكان من بين ما تأثر به كتاب «دون كيخوتة» درة الأدب الإسباني، وبعض مترجمات من أعمال «فكتور هيجو» كانت في مكتبة جده لأبيه، وتجمعت مادة قراءاته هذه مع مادة الشعر الشفوي والرومانسيات، والأغاني الشعبية التي كان يسمعها من أفواه الفلاحين أو في السهرات العائلية، حتى إنه صار وهو في العاشرة من عمره طفلا ذا خيال ثري، تضطرم فيه الصور والأساطير والروايات، ويبين اضطرابها عينيه الداكنتين فتنبئان عن روح وثابة تواقة للتعبير عن نفسها في أشكال مختلفة من الفن والحياة.
وفي المنزل، كان لوركا ينفث عاطفته الفنية المبكرة على شكل أعمال تمثيلية يعرضها أمام جمهوره الأول، وهو يتكون من أخيه وأختيه ووالدته، ومن يعمل في المنزل من خدم، وقد تأثر تأثرا عظيما بعروض مسرح العرائس الريفي المتنقل الذي كان يمر بين آونة وأخرى بقريته، وكان يحاول أحيانا تقليد عرض التمثيليات التي يشاهدها فيه وينقلها عبر خياله إلى نظارته ، وقد ظهر هذا الميل فيما بعد في عدد من عروض مسرح العرائس توفر الشاعر على كتابتها وإخراجها، منها «عرائس كاتشي بورا»، ومسرحية عرائس «دون كريستوبال» وغيرهما، مما يمثل من حصيلة أعماله ذلك الجانب الطفولي من شخصيته الذي امتزج بموهبة الفنان فأنتج أعمالا خلاقة في ذلك الميدان.
حياة المدينة
Bog aan la aqoon
بعد أن فشلت تجربة إرسال لوركا إلى «القرية» لاستكمال دراسته مع أستاذه ومعلمه الأثير، كان على الأسرة أن تتخذ قرارا بالانتقال إلى عاصمة الإقليم - مدينة غرناطة - وذلك حتى يتوفر للصبي ولأخيه وأختيه التعليم المناسب في المدارس المناسبة، وقد انطوى ذلك الانتقال على تغييرات عديدة في نمط حياة الأسرة وطريقة حياة أفرادها، وكانت الرحلة مثيرة للوركا الصبي، ولكنه سرعان ما بدأ يفتقد مسارح طفولته وأصدقاءه وأماكن تجواله ولهوه في القرية، ووجد لوركا المدينة جد مختلفة عن القرى التي شهدت طفولته، فالأفق لم يعد منبسطا أمام ناظريه، وافتقد هدوء الريف وتوهج الشمس فيه، ولم يعد المنزل الذي يقيم فيه يتسم بالرحابة والألفة التي كان الصبي يجدهما في الكرمة التي كانوا يقيمون فيها بالقرى، حيث صحن الدار بنافورته التقليدية، والبستان الذي يحيط بالدار ويمتلئ بالزهور من ورد وياسمين ورياحين، ويزخر بالفراشات والجداجد والهوام والقواقع، وهي المادة التي أثرت بعد ذلك في معظم قصائد لوركا وتمثيلياته.
واصطبغ شعوره في المدينة بحنينه إلى طفولته القروية، فأنتج مثل هذه القصيدة التي كانت من أوائل ما كتب من شعر:
يخرج الأطفال فرحين
من المدرسة
مرسلين في هواء أبريل الدافئ
أغاني حنونة.
أي بهجة
يخلعها الصمت العميق
على الزقاق الصغير!
صمت يتحطم شظايا
Bog aan la aqoon