Lessons of Sheikh Osama Suleiman
دروس الشيخ أسامة سليمان
Noocyada
إحرام النبي ﵊ قارنًا من ذي الحليفة
وقد اختلفت كتب السيرة في عدد الذين اجتمعوا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، والراجح أنهم يزيدون عن مائة ألف، ومن يرى هذه الأعداد الكبيرة من الحجاج مع النبي يدرك أنه ﷺ استطاع أن يؤسس دولة بتأييد ربه سبحانه في مدة وجيزة جدًا، لا تزيد عن ثلاث وعشرين سنة، ومعلوم أن أعمار الأمم تقاس بمئات السنين.
وفي ذي الحليفة اغتسل نبينا ﷺ، وذو الحليفة ميقات أهل المدينة، ولكل بلد ميقات مكاني للحج والعمرة، لا يجوز لمن قصد البيت أن يمر على الميقات دون إحرام، وإلا لزمه فدية إلا أن يعود إليه، فوقِّت لأهل اليمن: يلملم، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل الشام: الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، وهكذا لكل بلد ميقات، قال النبي ﵊: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، أي: أن هذه المواقيت المكانية لأهل هذه البلاد أو من يمر عليها، ولذلك لا يجوز لأي حاج مصري أن يمر على (رابغ) الموازية للجحفة دون إحرام، ولا يجوز أن يقول: أنا قاصد جدة فينزل بها ثم يحرم منها، فجدة ليست ميقاتًا إلا لأهلها.
وبعد أن اغتسل النبي ﷺ في ذي الحليفة طيبته أمنا عائشة ﵂، حتى إنها قالت بعد أن طيبته: إني لأرى وبيص المسك من مفارق ولحية النبي ﷺ، ثم أحرم ﵊ بحج وعمرة، أي: أنه حج قارنًا؛ لأنه ساق الهدي، لكن إن جاءت نصوص تقول: إنه حج متمتعًا أو مفردًا؛ نقول: هناك سوء فهم للنص، وسوء الفهم للنصوص الشرعية يسبب لنا مشاكل كثيرة.
ولنتأمل هذا النموذج: كاتب علماني يكتب كفرًا تحت عنوان: الرجم ليس من دين الإسلام في شيء! يعني: أن رجم الزاني ليس من دين الإسلام، وفي صلب المقالة يكتب فيقول: لأن القرآن بين أن حد الزاني الجلد، ونبينا ﷺ قد قال: إن حد الزاني هو الرجم، إذًا: تعارض القرآن مع قول رسول الله -هذا فهمه- فلا شأن لقول رسول الله أمام القرآن! ثم تجرأ إلى الكفر فقال: إن النبي ﷺ لا يملك أن يشرع للأمة! هكذا قال ذلك الرجل، إذًا: فمن الذي يشرع، أهو أنت؟! وماذا تقول في قول الله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣ - ٤]؟ وماذا تقول في قول الله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧] إن النبي ﷺ حينما يشرع للأمة لا يشرع من عنده وإنما يشرع بوحي من الله.
إن هذا الكلام معناه: أن السنة لا يمكن أن تستقل بالتشريع، بمعنى: أنه ﷺ لا يملك أن يحرم أو أن يحلل، لذا أقول له: هل يجوز لك أن تتزوج على المرأة عمتها أو خالتها فتجمع بين المرأة والعمة أو تجمع بين المرأة والخالة؟ لا شك أنه لا يجوز بنص السنة لا بنص القرآن، أيضًا: هل يجوز للرجل أن يلبس الذهب في يده والقرآن يقول: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ [الأعراف:٣٢]؟ إن الذهب حرام على الرجال بالسنة المطهرة، ولذا فإن السنة يمكن أن تقيم حكمًا شرعيًا مستقلًا كما يقول علماء الفقه والأصول؛ لأن النبي ﷺ قال: (أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض)، فالرجم من الإسلام، وقد رجم النبي ﵊ والصحابة؛ واقرأ في البخاري الأحاديث المتواترة في رجم الزاني، لكن الأعجب أن يقول: لا شأن لنا بـ البخاري ولا بالسنة، فيكفينا القرآن! هكذا كتب ذلك الرجل، ولا أدري أين علماء الأمة ليقولوا له ولأمثاله: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، أما يكفي طعنًا في القرآن والسنة في زمننا هذا، والطامة أن هذا الرجل يحمل لقب: (المفكر الإسلامي)، نسأل الله العافية.
إن سوء الفهم للنصوص الشرعية سبب انشقاق وخروج بعض الفرق الضالة والمنحرفة، كالخوارج والمعتزلة وغيرهم.
وعلى كل فنبينا ﵊ قد حج قارنًا، لكن إن جاء نص يقول: إنه قد حج متمتعًا؛ فمعنى ذلك: أنه قد جمع بين العمرة والحج في سفر واحد، أي: أنه ما أنشأ للعمرة سفرًا وللحج سفرًا، وإنما قرن بين الحج والعمرة في سفر واحد، وأما رواية: أنه حج مفردًا؛ فمعناها: أنه أتى بأعمال الحج المفرد، إذ لا فرق بين القارن والمفرد، فالقارن يسعى سعيًا واحدًا، والمفرد يسعى سعيًا واحدًا، وكلاهما يطوف طواف قدوم وطواف إفاضة وطواف وداع؛ وكأن المفرد والقارن عليهما سعي وثلاثة أنواع من الطواف، إذ لا فرق بينهما في المناسك إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد ليس عليه هدي، فهذا هو الفرق الوحيد بينهما.
4 / 4