Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Daabacaha
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Sanadka Daabacaadda
1315 هـ
أن لا يكون مر به.
وكان يقول: كيف تطلبون أن الله تعالى ينبت لكم الزرع أو يدر لكم الضرع، وأنتم تسلون السيوف على أحد من هذه الأمة المحمدية، وتلطخون الحراب من دمائهم، وكان يقول: إذا صدق الفقير في الإقبال على الله تعالى انقلبت له الأضداد فعاد من كان يبغضه يحبه، ومن كان يقاطعه يواصله، ومن كان لا يشتهيه يثني عليه، ولا يصير يكرهه إلا مجرم أو منافق، وكان يقول: ما قطع مريد ورده يوما إلا قطع الله عنه الإمداد ذلك اليوم، واعلم يا ولدي أن طريقتنا هذه طريق تحقيق، وتصديق، وجهد، وعمل، وتنزه، وغض بصر وطهارة يد، وفرج، ولسان فمن خالف شيئا من أفعالها رفضته الطريق طوعا أو كرها، وكان رضي الله عنه يقول: يا حامل القرآن لا تفرح بحمله حتى تنظر هل عملت به أم لا فإن الله عز وجل يقول: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا "، ولا تخرج عن كونك حمارا إلا إن عملت بجميع ما فيه، ولم يكن منه حرف واحد يشهد عليك، وكان يقول: يا أولادي كم غروركم لهو كم لعب كم غي كم هوى كم افتراء كم نكدكم غدركم سهوكم نسيان كم غفلة كم زلة كم إجرام كم زوركم فتوركم، وعظ تسمعون، ولا تتعظون ما أنتم إلا كالأموات، وكان يقول: لو فتح الحق تعالى عن قلوبكم أقفال السدد لاطلعتم على ما في القرآن من العجائب، والحكم، والمعاني، والعلوم، واستغنيتم عن النظر في سواه فإن فيه جميع ما رقم في صفحات الوجود قال تعالى: " ما فرطنا في الكتاب من شيء " " الأنعام 38 " ومن فهمه الله تعالى في كتابه أعطاه تأويل كل حرف منه، وما هو، وما معناه، وما سبب كل حرف، وما صفة كل حرف، وعلم المكتوب من الحروف في العلوي، والسفلي، والعرش، والكرسي، والسماء، والماء، والفلك، والهواء، والأرض، والثرى، وكان يقول: إذا كان المقتدي بالشرائع والكتاب واقفا بين الأمر، والنهي كان فتحه حقيقيا حتى يفك به كل مشكل، ويحل به كل طلسم، ويعرف به كل مبهم، وأما إذا كان فتحه حفظ كلام، وترتيب، وصف مقامات فذلك ليس بفتح إنما هو حجاب له عن إدراك الإدراك، وعن مشاهدة علوم الحق وليس من وصف كمن عرف، وحمل، ونطق بلسان العرفان، وكم من حملته العناية حتى شاهد، ومع ذلك فلو سئل عن وصف المقامات ما وصفها، ومقصودي لجميع أولادي أن يكونوا ذائقين لا واصفين، وأن يأخذوا العلوم من معادنها الربانية لا من الصدور، والطروس فإن القوم إنما تكلموا عما ذاقوا وقلوبهم كانت ملآنة بعطاء الله تعالى ومواهبه ففاضت منها قطرات من ماء الحياة التي فيها فانفجرت علومهم عن عين عين عين عين عن حاصل ماء الحياة، وأما الوصاف فإنما هو حاك عن حاك غيره، وعند التخلق، والفائدة لا يجد نقطة، ولا ذرة من فوق القوم، وينادي عليه هذا الذي قنع بالقشور في دار الغرور، ولقد أدركنا رجالا، وأحدهم يستحي أن يذكر مقاما لم يصل إليه، ولو نشر بالمناشير ما وصفه فيا جميع أولادي إذا سألكم أحد عن التصوف مثلا أو عن المعرفة، والمحبة فلا تجيبوه قط بلسان قالكم حتى يبرز لكم من صدق معاملتكم ما برز للقوم فيكون كلامكم عن حاصل، وعن محصول فإذا قام أحدكم بالأوامر الدينية، وصدق في العمل ترجم لسانه بالفوائد التي أثمرت من صدقه، وكل من ادعى الصدق، والإخلاص، ولم يحصل عنده ثمرة الأدب، والتواضع فهو كاذب، وعمله رياء، وسمعة لا يثمر له إلا الكبر، والعجب، والنفاق، وسوء الأخلاق شاء أم أبى.
وكان يقول: ليس التصوف لبس الصوف إنما الصوف من بعض شعار التصوف فإن دقيق التصوف رقيق صفاته، ورونق بهجة ترقيه لا يحصل إلا بالتدريج فإذا وصل الصوفي إلى حقيقة التصوف المعنوي لا يرضى بلبس ما خشن لأنه وصل إلى مقامات اللطافة، وخرج عن مقامات الرعونة، وغاد ظاهره الحسي في باطنه الألي، واجتمع بعد فرقة، وقذف فيه جذوة نار الاحتراق فعاد الماء يحرقه، والثلج والبرد يقوي ضرامه، والقميص الرقيق لا يستطيع حمله للطافة سره، وزوال كثافته بخلاف المريد في بدايته يلبس الخشن، ويأكل الخشن ليؤدب نفسه وتخضع لمولاها، ويحصل لصاحبها تمهيد للمقامات التي يترقى إليها فكلما رق الحجاب ثقلت الثياب، وكان رضي الله عنه يقول: يا ولد قلبي اجمع همة العزم لتعرف معنى الطريق بالإدراك لا بالوصف، وكل مقام، وقفت فيه حجبك عن مولاك، وكل ما دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة، والتابعين، وكتابه العزيز باطل، وذلك لأن الأغراض تورث الأعراض، وكان رضي الله عنه يقول: يا ولد قلبي تجرد من قالبك إلى قلبك، والرم الصمت عن الاشتغال بما لا فائدة لك فيه من الجدال، والنقل، وزخرف القول، وصمم العزم، واركب جواد الطريق،
Bogga 146