ومضت المجلة فقالت إنه - وقد تكون رأس المال - لم يكن من الصعب عليه أن يضاعفه في وقت قصير. فلم يكن خطؤه أن المشرفين على الاقتصاد - وقد استهوتهم الأفكار الاشتراكية - كبلوه بعديد من القيود التي يتطلب اختراقها ملكات خاصة، وبالتالي ثمنا مرتفعا. وإذا كان «الدكتور» قد استفاد من تذليل هذه الصعوبات لمن يشاء، بحكم علاقاته الواسعة التي دعمها بسلسلة من الزيجات الناجحة، فإن الذي حقق الفائدة الحقيقية هو الاقتصاد القومي نفسه. وضربت المجلة مثلا على ذلك بدوره خلال رئاسته لإحدى شركات المقاولات التابعة للقطاع العام؛ فقد كان يعهد بأغلب عملياتها لشركات خاصة يشترك في ملكيتها. ومهما كان الرأي في هذا العمل فلا جدال في أنه ساهم في دعم النشاط الخاص وإنجاز عديد من المشروعات الهامة في مجال الخدمات، يستمتع المصريون اليوم بثمارها، وكان من المستحيل أن تتحقق لو ترك أمرها للقطاع العام وحده.
وفي تلك الفترة تعرض «الدكتور» لمحنة عنيفة؛ إذ قبضت عليه السلطات وأودعته السجن. أما السبب فيصعب تحديده؛ إذ تضاربت الأقاويل بشأنه، فقيل إنه كان مشتركا في محاولة لقلب نظام الحكم، وقيل إنه تمادى في الدعوة للأفكار الاشتراكية، وهناك من أكد أنه كان ضالعا في إحدى العمليات المالية المريبة، التي كان القانون يحرمها وقتذاك.
وتعرضت المجلة للشائعات المتباينة التي أحاطت به فوصفتها بأنها الضريبة التي يدفعها كل ناجح في البلاد العربية. وضربت مثلا بشائعة تجزم أنه حضر الحفل الراقص الشهير الذي أقيم عشية العدوان الإسرائيلي عام 1967م في إحدى القواعد الجوية المصرية. وقالت إن هذه الشائعة لا تعني شيئا على الإطلاق؛ لأن أغلب القادة المصريين حضروا هذا الحفل. أما محاولة الربط بينه، في شائعة أخرى، وبين تسليم الجولان، فأمر ينقصه الدليل. ودللت المجلة على وطنيته بالدور الذي لعبه في حرب الاستنزاف؛ حيث تولى مقاولة تنفيذ التحصينات الهائلة التي تكلفت ملايين الدولارات، وإن لم تتركه الشائعات وشأنه في هذا العمل الجليل أيضا.
وقالت المجلة إن مرحلة جديدة بدأت في حياته عندما تحررت مصر من السيطرة السوفياتية في السبعينيات، فنقل نشاطه إلى ميدان السلاح الذي يحقق العاملون فيه دائما أرباحا خيالية، وأصبح من كبار مورديه، مما كان له الفضل في الانتصار الذي حققته حرب أكتوبر. إلا أن الثمار الرئيسية لهذه الحرب الناشئة عن الارتفاع الصاروخي لأسعار البترول في أعقابها، لم تسقط في يده، وهو ما يطمح الآن لتحقيقه بزواج ابنته، بعد أن فشل في إدراكه من خلال زيجته الثالثة التي لم تعمر طويلا.
وبالرغم من أن «الدكتور» لم يتوقف عن توريد الأسلحة للحروب المحدودة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأعلن في أكثر من مرة عزمه على تشكيل فرقة قوية من المرتزقة مستعدة لخدمة من يدفع الثمن؛ فإنه أصبح من دعاة السلام، وعمل بنشاط في استيراد السلع الغذائية والسيارات والطائرات، مستفيدا من سياسة الانفتاح.
وفي هذا الصدد استشهدت المجلة بالقول السائر في العالم العربي: «إذا لم يكن ل «الدكتور» إصبع في إحدى الصفقات، كان له بالتأكيد نصيب في عائدها».
واستطردت تقول إن الأمر لا يخلو أحيانا من بعض القصص الطريفة، مثل قصة المليون بدلة من مخلفات الحرب الفيتنامية التي تبرع بها الجيش الأمريكي للفلاحين المعدمين في مصر، فوجدت طريقها إلى مخازنه حيث باعها بدوره لعدد من التجار مقابل ستة ملايين من الجنيهات.
واختتمت المجلة مقالها قائلة: «إن أحدا لا يملك إلا الإعجاب بحيوية الملياردير العربي ونشاطه، ولا شك أن هذه الحيوية التي برزت في العقد الأخير، وطبعته بطابعها، مازال أمامها وقت طويل قبل أن تذوي، رغم الثمن الذي وضعه الإرهابيون لرأسه بعد ما تردد عن تعاونه مع الشركات الإسرائيلية. وإذا كانت سنه الآن تجعله في حاجة إلى وسائل اصطناعية وكيماوية، أكثر من مجرد شد جلد الوجه، تعينه على القيام بواجباته العائلية أثناء زياراته لقصوره العديدة المتناثرة في أرجاء العالم العربي، فإنه لا يحتاج إلى شيء في صفقاته المالية والعمليات السياسية التي يشارك فيها من وراء ستار. ومهما قيل بشأن مبادئه الأخلاقية فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن «الدكتور» وأمثاله يحملون مشعل التقدم والسلام والاستقرار للمنطقة التي طال بها التخبط في ظل التطرف.»
نقلت المقال كاملا إلى كراسي، واستغرق مني ذلك عدة ساعات، عدت أثرها إلى منزلي راضيا، فعكفت من فوري على تفريغه في بطاقات مستقلة، وإضافة بعض أجزائه إلى البطاقات القديمة حسب موضوعاتها.
وما إن انتهيت من ذلك حتى شعرت بأني قد استكملت استعداداتي، ولم يعد أمامي ما يحول دون البدء في المرحلة الثانية من البحث.
Bog aan la aqoon