ورن صوت الرجل في أذنيها فشدت نظراتها من الأفق البعيد إليه، ورأته واقفا إلى جوارها، بين شفتيه كلمات متعددة المعاني، وبين عينيه نظرات سحيقة الأغوار، ولكنها لا تسحق شيئا فيها، وحاولت أن تنكمش عند ركبتيه، وحاولت أن تلهث بأية عاطفة فلم تلهث بشيء.
وشدها إليه.
ورأت ذراعيه القويتين تحيطان بها، أكثر قوة من الذراعين الحبيبتين، أقوى عضلات وأغزر شعرا، ولكنهما لا تذيبان أي شيء فيها. •••
العربة البيضاء الصغيرة تنطلق على الشارع العريض الناعم، وهي تستند برأسها على حافة النافذة ونسمة النهار الدافئة تتخلل شعرها وملابسها وتسري إلى جسدها، فتبعث في روحها حماسا جديدا تستيقظ معه نظراتها الناعسة على صفحة النيل، وتسبقها إلى القاهرة إلى الحجرة المستطيلة والمكتب الصغير.
وأخرجت رأسها من النافذة ليداعب الهواء الدافئ شعرها وبشرتها، وسمعته يقول: أحبك.
قالها بزهو؛ ذلك الزهو الذي يملأ الرجال حين يعتقد أن المرأة قد أحبته وأنه قد ملكها.
وحملت نسمة النهار الرقيقة عن شفتيها ابتسامة ساخرة، وطوحت بها بعيدا عن عينيه. ورمقها بنظرة مشحونة بالعاطفة، عنيفة كما كانت، حبيسة كما كانت؛ كأنه لم يفرج عن شيء منها.
وهزها الحنين الصادق في عينيه، فأطرقت رأسها في خشوع واحترام، ولمحت يده وهي تترك عجلة القيادة لتبحث عن يدها، فأمسكت بها في حنان وعطف، وسمعته يقول وهو يضغط بقوة على يدها: هل تحبينني؟
فقالت وهي تقذف بنظراتها خارج النافذة: ألا ترى هذه البيوت؟
ونظر إلى الأمام وقال: لقد وصلنا القاهرة. •••
Bog aan la aqoon