ومن هذه الطالعة في غلائلها، المعروفة في الحسن بدلائلها، المشرقة كالبدر في ظلمة الحلك، الضاحية كالشمس في قبة الفلك، تعترف بالهوى في ألحاظها، وتنكره في ألفاظها، وتقبل بعينها سائلة عما بين جنبيك، وتلتفت بجيدها مائلة عن جواب عينيك، وقد حسرت عن زنديها، ووضعت رمزا للحب تلك الوردة على نهديها، فلاحت للمحبين كأنها روح القبلات من خديها؟
في الرقص
ومن هذه الزهراء كالنار المشبوبة، الحسناء كالدمية
23
المنصوبة، المشرقة في زينتها كغرة الدينار، اللائحة في ميناء الدموع كما يلوح المنار، وقد شف قلبه عن الجوى كما يشف الزجاج، وتدافعت من طرب الهوى كما تتدافع الأمواج، وهي ترقص على حركات القلوب في الضلوع، وتسترسل في سهولة كأنها جسم خلق من الدموع، والأبصار قائمة على قوامها، والنفوس حائمة منها على حمامها، وما هي في عين المحب إلا خطرات الطيف، أو رقة نسمات الصيف، ولا رقصها إلا معركة في الحب قام فيها اللحظ مقام السيف؟
في الموسيقى
ومن هذه الباسمة كالأزهار، الساجعة كالأطيار، التاركة عشاقها كالشمس بين طرفي الليل والنهار، القائمة كالكأس في اليد، الناعمة كالحمرة في الخد، وهي تحيي بالصوت لأنه يخرج من صدرها، وتسكر باللفظ لأنه يمر من ثغرها، ويكاد يخلق من سحر نغماتها القلب المفتون، ومن حركات أناملها العقل المجنون؛ إذا صدحت فحمامة، وإذا رقصت فغمامة، وإذا أرسلت من يدها «صيحة» الأوتار أقامت للطرب «القيامة»؟ •••
تلك هي درة الصدفة المطروحة على ساحل الموت، وهي حمامة ذلك القفص البالي المصنوع من العظام، وهي خطيبة الكونت فيكتور!
وتلك هي «لويز» القروية الساذجة؛ كانت نبتة في الطين، فأصبحت زهرة في وعاء ثمين، ولأن تكون نبتة مهملة وتنمو، خير من أن تكون زهرة مرعية وتجف.
ولقد رأى الكونت - أخزاه الله - أن أحسن ما يكون الاستمتاع بالجمال حين يكون الجمال فنا وفتنة؛ فأما الفتنة ففي عيني لويز وجمال تكوينها، وأما الفن فلا سبيل إليه من هناك ولا من فلسفته، وليس إلا أن يبسط يده كل البسط حتى تنبت له تلك الزهرة من أغصان الذهب والجوهر؛ فأنفق واتسع في الإنفاق، وجعل آمال شيخوخته كلها مقترحات في زينة الفتاة؛ فبرعت البراعة كلها في الرقص والموسيقى، وأحسنت من الفن النسائي في أساليب الظرف والجمال والزخرف على جسمها، ما ترك هذا الهرم المتصابي المفتون يفاخر الناس كافة بأنها خارجة من قريحته.
Bog aan la aqoon