Book of Visits by Shaykh al-Islam Ibn Taymiyyah
كتاب الزيارة من أجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية
Baare
سيف الدين الكاتب
Daabacaha
دار مكتبة الحياة الطباعة والنشر
يعصه)) والسفر إلى هذه البقاع (٢٢) معصية في أظهر القولين، حتى صرح من يقول: إن الصلاة لا تقصر في سفر المعصية بأن صاحب هذا السفر لا يقصر الصلاة، ولو نذر إتيان المسجد الحرام لوجب عليه الوفاء بالاتفاق. ولو نذر إتيان مسجد المدينة، أو بيت المقدس: ففيه قولان للعلماء. أظهرهما وجوب الوفاء به، كقول مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه. والثاني لا يجب عليه الوفاء به، كقول أبي حنيفة والشافعي في قوله الآخر، وهذا بناء على أنه لا يجب بالنذر إلا ما كان من جنسه واجباً بالشرع، والصحيح وجوب الوفاء بكل نذر هو طاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) ولم يستثن طاعة من طاعة.
والمقصود هنا: أن الصحابة لم يكونوا يستحبون السفر لشيء من زيارات البقاع (٢٣): لا آثار الأنبياء، ولا قبورهم، ولا مساجدهم، إلا المساجد الثلاثة، بل إذا فعل بعض الناس شيئاً من ذلك أنكر عليه غيره، كما أنكروا على من زار الطور الذي كلم الله عليه موسى، حتى إن ((غار حراء)) الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه قبل المبعث لم يزره هو بعد المبعث ولا أحد من أصحابه، وكذا الغار المذكور في القرآن (٢٤). وثبت أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - كان في بعض الأسفار (٢٥): فرأى قوماً ينتابون (٢٦) مكاناً يصلون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٢٢) البقاع: الأماكن من الأرض مفردها (البُقعة). وقوله: والسفر إلى هذه البقاع معصية: المراد: بقصد النذر أو شد الرحال إعظاماً وتبجيلاً واختصاصاً لها بما لم يخصها به الشرع الحنيف.
(٢٣) لم يكن للصحابة الكرام أن يتجاوزوا نصوص الشرع لأن اهتماماتهم وعواطفهم وسلوكهم جميعاً كانت وفق شريعة الله وهدي نبيه.
(٢٤) في قوله تعالى: ﴿ثاني اثْنْيْنَ إِذْ هُما في الغارِ .. ﴾
(٢٥) الأسفار: جمعُ سَفَر وهو قطع المسافة.
(٢٦) الانتياب: القصد إلى الشيء وإتيانه مرة بعد أخرى.
16