Khulasa Yawmiyya Wa Shudhur
خلاصة اليومية والشذور
Noocyada
نبئت أن العجول اجتمعت مرة لتنشئ لها ناديا تأوي إليه، ولا تعلم ماذا ساقها إلى هذا الخاطر الغريب، أقلة العلف، أم ضيق المذاود؟ أم ذاك مرض النوادي الذي سرى من النبهاء إلى الأغمار، قد فشا حتى سرى من الأناسي إلى الأبقار؟ هذا سر في صدور العجول.
فلما تكامل عددها، وانتظم عقدها، وقف منها عجل يظهر من كبر دماغه أنه ملم بالتاريخ والأخبار، وقال: «أيها السادة! إن العجل مدني بالطبع، ونحن معشر العجول قد ميزنا الله على بني آدم بضخامة الأجسام وصلابة القرون، ولقد عبر بهؤلاء الناس زمان كانوا يعرفون لنا بأسنا ويتمسحون بأذيالنا حتى أيقنوا أن لن يقوى على حمل هذا الدنيا أحد سوانا، فألهونا من فرط الإجلال، وسبحوا لنا بالغدو والآصال، وكانوا يحسدوننا على قروننا فدعوا أكبر أبطالهم وأشدهم بأسا وأرفعهم ذكرا - أعني الإسكندر المقدوني - بذي القرنين، وما إسكندرهم هذا؟! وما قرناه؟! إن أصغر عجل فينا ليهشم رأسه إذا ناطحه، ويجندله إذا واثبه أو صارعه، فالعجب لك أيتها العجول ! لم لا تذكرين ذلك المجد الخالد، فتقام لك الصوامع والمعابد، بدل النوادي والمعاهد؟ ألما تنتبهي لما يجب عليك لبني جنسك، وما هو فرض معين عليك لنفسك؟!
قال محدثي: ولما بلغ الخطيب إلى قوله هذا بان الحماس على أوجه العجول قاطبة فهزت رءوسها استحسانا، وفحصت الأرض بأظلافها طربا، وضربت جنوبها بأذنابها مرحا، وخشي عاقبة هذا الحماس عجل هرم، فقام وقال: قد عرفنا ما يوجب علينا إنشاء هذا النادي، وسمعنا في بيان ذلك ما سمعنا، فخذوا بنا في انتخاب الزعيم، ومن رأيي ألا يزيد وزنه عن عشرة قناطير ليكون خفيف الحركة في أعمال النادي ...
وكان يتكلم ويتمهل ليلحس شفتيه ويجتر مضغ العلف التي ترد إلى فكيه، فلم يمهله الخطيب الأول بعد جملته الأخيرة فوثب كالمنخوس وصاح وهو يرتعد من الغضب: «لا! لا! لا! وكلا وألف مرة كلا، ومعاذ النعرة الجنسية أن نرضى بهذا الاقتراح، أفنقبل علينا زعيما لا يزيد وزنه عن عشرة قناطير؟! فماذا أبقينا إذن لهؤلاء الآدميين العجاف الضآل؟! هذا وربي ما يزري بشرف العجول، ويحط أسعارنا في الأسواق حطة لا قائمة لنا بعدها يد الدهر.»
قال محدثي: فماج النادي واضطرب، ثم كثر الزئاط واللجب، وكاد ينفض الجمع بلا طائل، لولا أن تلافى الأمر ذلك العجل الهرم فوقف مبتسما وقال: يا إخواني: «ما أردت أن أغض من شرفكم بما اقترحت عليكم، ولكن معنا هنا أبقارا حلب الدهر أشطرها، وأكل نير السواقي فرائصها، فهي ما زالت ترى أن السمان الفوارة منا عرضة لظلم بني آدم، وأنه خير للنادي أن يكون زعيمه معتدل الضخامة لا بالجسيم الهائل ولا بالنحيف الناحل، فإن كان ذلك لا يرضيكم، فشأنكم وما تريدون، ودونكم وما ترتضون، فإنا لكم أيها الإخوان لموافقون.» هذا وبرك فهدأ الاضطراب وجالت رقاع الانتخاب.
جالت الرقاع فانتخبت العجول زعيما شنيع الوجه، منفرج البطن، منحوس الطلعة، نكير الصوت، ثم اختارت الرئيس فالوكيل، فالناموس، فالمفتش، فالأمين - خمسة عجول تتفاوت في الجسامة حسب تفاوتها في الدرجة، فاصطفت صفا، ثم أقبلت وأدبرت، ثم دارت في النادي تدبدب بأرجلها ، وتشول بأذيالها وتنفخ التراب بمناخرها، ثم خورت خوارا رج الفضاء، وطبق الأرجاء، وأصبح في الدنيا من ذلك اليوم ناد للعجول.
علم الاحترام
نعم علم الاحترام، ولماذا لا يكون الاحترام علما؟! ألا يشتمل كما تشتمل العلوم كلها على مبادئ وأصول، وحقائق وفروض؟! والعلوم على تعددها تبحث في مقادير المواد والأشياء وفي نسب بعضها إلى بعض، فإن تجاوزتها إلى الناس لم ترتق إلى الموازنة بينهم، ووضع قيمة صحيحة لكل منهم، أما علم الاحترام الذي نريد أن نبتكره فيبحث في أقدار الناس وما يتفاضلون به من عروض الحياة ومحاسن الشيم، فهو أشرف العلوم موضوعا، وهو آخر ما يتلقاه الطالب منها؛ لأن الطالب يتلقى العلوم الأخرى في الكتب ويحضرها على الأساتذة، وهذا العلم لا كتاب له يحصر أبوابه وأقسامه، ويضبط قواعده وأحكامه، ولا أستاذ يمليه عليه طالبه فيريحه من جمع متفرقه؛ إذ هو مفرق بين أيدي الناس الرفيع منهم والوضيع، والمحنكين منهم والأغرار، ففي كل يد عجالة مبتورة، ومع كل خريج وصية ناقصة، وإنما على الطالب أن يتتبع أجزاءه في مظانه، ويستعين عليه بأهله، فإنه إن لم يفعل لم يكن قصاراه أن يجهل ما يحترم به الناس، بل جهل الناس ما يحترمون به.
ولم أقصد بعلم الاحترام هذا الذي يصنعه بعضهم؛ إذ تراه يتهيب ويوجل وهو داخل على من يحترمه كأنه يقتحم غابات إفريقية، أو ينتفض ويشد عرى قبائه كأنه يقابل ثلوج المنطقة القطبية، أو يهبط بيديه ثم يرفعهما كأنه يحثو التراب على رأسه، أو يرخيهما على صدره كالكلب يعالج الوقوف على رجليه، فهذا علم شائع قد حفظه كثير من الناس وأتقنوه، وليس بين الرجل وبين أن يتضلع منه إلا أن يحتقر نفسه فتنقاد له مبادئه وخواتيمه في أقل من قولك ألف باء.
ولكن قصدت العلم الذي من عرفه فقد عرف الإنسان ومن جهله فقد جهل كل شيء، والذي لا يعلمه إلا القليل، ولا يعمل به إلا الأقل من ذلك القليل.
Bog aan la aqoon