وإذا كان الكاتب غير الخطيب، فليس ذلك فقط لأنه لا يعرف أن يتكلم كما يعرف أن يكتب، بل لأن كتابته لا توافق المنبر، فإن المكتوب ينال بالنظر ويذاق بالفكر، أما المقول فهو لا يصل إلى القلب إلا إذا مر في الأذن، وللأذن إحساس يجب إرضاؤه ونعومة يحاذر من تخديشها، والشعور الذي يثيره السمع ليس كالذي تولده القراءة، فضلا عن ذلك فإن عقلية الجمهور المحتشد في مكان عمومي تختلف عن عقلية الفرد المعتزل في غرفته.
إذن يوجد إنشاء للسمع كما يوجد إنشاء للقراءة، فما هي أصول هذا الإنشاء وقواعده؟
قال ابن المعتز والشيباني: إن البلاغة بثلاثة أمور؛ أن تغوص لحظة القلب في أعماق الفكر، وتتأمل بوجوه العواقب، وتجمع بين ما غاب وما حضر، ثم يعود القلب على ما أعمل به الفكر فيحكم سياق المعاني والأدلة، ويحسن تنضيدها ثم يبديه بألفاظ رشيقة مع تزيين معارضها واستكمال محاسنها.
هذه الأركان الثلاثة التي تقوم عليها البلاغة هي ما يسميه الإفرنج في تقسيمهم بالاختراع أو الإيجاد والتنسيق والتعبير.
فالاختراع هو استنباط الوسائل
1
الخليقة بإقناع السامع وتحريك عواطفه.
والتنسيق هو تنظيم الخطبة وإحكام ربط أجزائها بعضها ببعض، وترتيبها ترتيبا جميلا بحيث تكون أبين غرضا وأحسن في النفوس وقعا.
2
والتعبير هو إفراغ المعنى في القالب الموافق، وإلباسه الحلة اللائقة به ليصل إلى قلب السامع من أقرب طريق وأسهل سبيل.
Bog aan la aqoon