ويرجع مرض الشخصية إلى نوعية العلاقة التي تربطها كابنة بالأب، في مرحلة الطفولة فالمراهقة فالشباب، والعلاقة بين الابنة والأب علاقة مرضية، وغير صحية، وإن لم يع كلاهما هذه الحقيقة. وارتباط الابنة بالأب هذا الارتباط اللصيق ارتباط يفقدها الكيان المستقل، والوجود المستقل، ويورثها إلى جانب ذلك الشعور بالذنب وبالخطيئة، والنفور من الجنس الآخر، وبالتالي الجدب والنضوب، وانعدام القدرة على الحب والإثمار. وصراع الشخصية، والأمر كذلك، صراع للتخلص من الخيط الذي يربط بينها وبين أبيها، والذي يلتف حول عنقها في حياته ومماته على السواء، يحول بينها وبين التكامل النفسي أو القدرة على ممارسة الحياة.
ونحن نتتبع هذا الصراع في مجموعة من الحالات الشعورية تكشف عن الرغبات الدفينة في اللاوعي، وتجري على مستوى الخيال أو الحلم، وإن جسدت حسيا في مواقف تكتسب صورة الواقع؛ فقتل الأب تجسيم للرغبة الدفينة في التحرر من الرباط الذي يربط الابنة بالأب، وقتل الحبيب تجسيم للنفور عن الجنس، ونضوب الثديين والتخلص من الطفلة تعبير عن انعدام القدرة النفسية على الإثمار، رغم توفر القدرة الجسدية على الحمل والولادة، وإذا ما دخلت الشخصية مرحلة جديدة من مراحل نموها النفسي، وتطورت من خلال الألم، وجدنا هذا التطور متمثلا في توهم الحمل، وفي توهم إدرار الثديين اللبن، ورغم التفاصيل الواقعية الدقيقة، فإن غرابة الأحداث، وغرابة المواقع التي تجري فيها الأحداث ورمزيتها تدعم حقيقة أن الحدث يجري على مستوى الخيال لا مستوى الواقع.
ونستطيع أن نقول: إننا أمام حالة من حالات فرويد، وأن نؤكد أن عوارض عقدة ألكترا تتبدى في الحالات الشعورية التي تتجسد هنا حسيا، مثل عمليات القتل، والولادة في العراء، ونضوب الثديين بلا معنى، وإدرارهما بلا معنى، والحمل الحقيقي والمتوهم، وأن هذه العوارض تنطبق على كل الحالات التي يلتف فيها الخط الوهمي على عنق الشخصية، وغيرها من الشخصيات، والتي ينحسر فيها الخيط عن عنق الشخصية وغيرها من الشخصيات، غير أن هذا القول قد يلقي الضوء على عمل فني، ولكنه لا يفسر بحال عملا فنيا، فالحالة السيكولوجية شيء، والعمل الفني شيء مغاير تماما.
ويبقى أن أقول كلمة أخيرة:
ربما تداخلت عوامل أخرى، ليس لها علاقة بالفن، في إثارة فضول البعض، وفي تحديد مشاعره تجاه هذه القصة، منها أن الكاتبة امرأة وليست رجلا، ومنها أن الكاتبة تتعرض لتصوير حالات شعورية يتحرج الكثيرون من تصويرها، غير أن على الفضوليين والباحثين عن الإثارة أن يطرقوا أبوابا أخرى، فنوال السعداوي تقدم هنا فنا، فنا لا نختلف في تحديد طبيعته، وإن اختلفنا في تقييمه.
الخيط
هذه المرأة شغلتني وأرهقتني فترة طويلة من السنين، كانت تتردد على عيادتي بميدان الجيزة من حين إلى حين، جاءتني أول مرة تشكو من ألم في صدرها، وفحصتها فلم أجد بها أي مرض، ثم اختفت فترة وجاءتني لأفحص أباها المريض، وذهبت معها إلى بيتها، كان أبوها في حالة لا شفاء فيها، ولم يكن هناك من علاج في الطب إلا تخفيف الألم بالمخدر.
ثم اختفت فترة وجاءتني لأفحصها من آلام في صدرها، وورم كبير في بطنها، وفحصتها فإذا بها تحمل في أحشائها جنينا، لم تكن تعرف تماما من أين جاءها الجنين، وطلبت مني أن أجهضه، لكني لم أستطع، كان الجنين قد بلغ الشهر التاسع.
واختفت فترة طويلة ثم عادت بالآلام القديمة في صدرها، وفي كل مرة تشكو من ألم جديد، وكنت أفحصها فلا أجد بها مرضا، وأخيرا جاءتني تقول: إنها حامل في الشهر التاسع، وتنتظر الولادة، وفحصتها فلم أجد في أحشائها أي جنين، لكنها لم تقتنع، وغضبت وثارت، ورفعت قبضة يدها في الهواء لتضربني، لكني تفاديت الضربة في آخر لحظة، فارتطمت قبضتها بصورتي المعلقة على الجدار وانكسر زجاجها، لكن يدها لم تصب بسوء.
ولم تعد إلي بعد هذه الحادثة سنين طويلة، ولم أعرف شيئا عن مصيرها حيث فوجئت بهذه الرسالة منها في البريد:
Bog aan la aqoon