Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Noocyada
(1) الموسيقى في مصر
لا ريب أن الموسيقى من أعظم الفنون الجميلة التي أصبحت من الضروريات عند كل الطبقات، وقد بلغت أوجها عند الأمم الراقية، وتمشت مع التمدن حتى أصبحت معيار المدنية والرقي.
الموسيقى الراقية كالشعر بل هي متممة له؛ لأن كثيرا من الحالات النفسية العميقة لا يستطيع الكلام أن يعبر عنها، وإني أضرب لك مثلا سهلا:
إذا قرأت أمام أمي جاهل مرثية من أروع الشعر الجاهلي فهل يظهر عليه أي تأثر؟ أعد الكرة أمام الرجل نفسه وأسمعه مرثية موسيقية راقية فلا ريب أنها تهزه وتحزنه حتى تقرأ علامات الحزن على وجهه ، ولربما لا يقوى على ضبط نفسه فيتأوه أو يخونه الدمع إن كان رقيق الشعور.
إن لم تكن الموسيقى واصفة ومصورة لكل ما تقع عليه العين من محاسن الطبيعة، ومعبرة كالشعر عن أسمى العواطف وأرق الشعور والوجدان أولى بها أن تسمى لغطا وجلبة تصدع الرءوس وتسئم النفوس.
لقد اهتمت مصر بالعلوم والآداب والفنون وأحرزت نصيبا يقارب الضروريات، ولكنها متقهقرة في الموسيقى، ولم نر واحدا من أبناء الأغنياء أولع بهذا الفن وحاول أن يدرسه دراسة تامة تؤهله لخدمة الموسيقى والنهوض بها إلى أوج الكمال، ولا يتأتى بلوغ هذه الغاية إلا بدراسة الموسيقى الإفرنجية، ثم العربية مع نصيب كاف من الثقافة العامة ولا سيما الآداب وتاريخ الفنون الجميلة؛ لأنهما يثقفان الذوق ويشحذان الخيال ويرهفان العواطف.
إننا بدراسة الموسيقى الإفرنجية بفروعها من سولفيج وأرموني وكونتربوان، وتوزيع الموسيقى على الآلات؛ نتمكن من إتقان الإملاء الموسيقي بأن نكتب موسيقى الدور أو القطعة بمجرد سماعها، ونرقى في التلحين إذا نبغنا في الأرموني واستطعنا أن نسترشد بها لوضع أرموني تتناسب مع موسيقانا العربية، أما الكونتربوان فإنها تتمشى مع موسيقانا ولا تتنافر معها ولا تحدث فيها أية شائبة.
إن موسيقانا لا تتعدى على الجملة: الضروب والمقامات، وهي لا تؤهل الإنسان للتلحين ما لم يكن الموسيقار قد وهب استعدادا طبيعيا وموهبة فنية وذوقا سليما كالشيخ سلامة حجازي وعبده الحمولي ومحمد عثمان، وبهم استرشد ومنهم اقتبس جميع ملحنينا العصريين.
المشتغلون بالموسيقى في مصر هم المحترفون والهواة وصبية رياض الأطفال وصبيات السنتين الأولى والثانية من مدارس البنات الابتدائية والجيش والبوليس والملاجئ، وسنتكلم عن كل طائفة منهم.
إن المحترفين من عازفين ومغنين ومنشدين وملحنين يقنعون بالوصول إلى درجة متوسطة أو دونها، وليس عند أغلبهم ميل إلى الفن، والغاية التي ينشدونها هي كسب العيش بدرجة يغبطون عليها من القناعة.
Bog aan la aqoon