Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Noocyada
بهت الكاتب حينما رأى هذا النظام البديع وتلك الصور والأثاث الفاخر والذوق السليم الذي نسقها، والأريج المنعش الذي يتضوع من الأزهار المبثوثة فوق المناضد والكوى، زاد دهشه حينما سمع منها قولا فصيحا وإلقاء يسحر السامع وذكاء متناهيا وآدابا سامية.
دار بينهما الحديث على كثير من الأمور وعظماء الرجال والتربية والأحوال الحاضرة، وجاء في الحديث ذكر اليابان فتكلمت عنها الأميرة وأسهبت في وصفها ورجالها حتى قال عنها الكاتب الشهير: إنها تعرفها أحسن مني. وقد قالت في عرض كلامها: لو كان عندنا رجل مثل أوياما الذي أجله كل الإجلال لما وصلنا إلى هذا الحد. وانتقل الحديث إلى الموسيقى وغيرها والتعليم، فقالت الأميرة: كل الناس من كبير وحقير يتهافت على التعليم، ولو أصبح الكل ذوي ألقاب وشهادات فأين يجد الناس لهم خدما وأتباعا، فخير للفتى أن يتبع صناعة أبيه ويرثها منه، ولولا ضيق المكان لسردنا المحادثة بنصها وفصها.
توفي زوجها من أعوام طوال وعاشت بعده أكثر من عشرين سنة دون أن تتزوج، ثم ساقتها المقادير إلى الاقتران بالسيد خليل بوحاجب من موظفي الحكومة التونسية، وابن الشيخ سالم بوحاجب مفتي ديارها وشيخ جامع الزيتونة وهو مدرسة إسلامية.
لم ترزق بعقب لا من زوجها الأول ولا الثاني إلى أن توفيت وهي في العقد السادس، ولم تقهر السنون لها جمالا، وقد كانت مثالا للبر ومواساة البائسين، وكانت تنفق كل شهر مائتي جنيه لنحو مائة أسرة أخنى عليها الدهر، والبعض منهم كان ينتمي لأبيها أو والدتها، وقصارى القول أنها كانت فخر نساء الشرق وموضع إعجاب الغرب.
اللهم ارحم أم المحسنين وأسكنها أرفع مكان من فراديس الجنان مع المتقين الأبرار والصالحين الأخيار. (15) إنشراح هانم شوقي
لم تكد ترقأ عبراتنا وتسكن زفراتنا على باحثة البادية حتى داهمنا مصاب أليم بموت كاتبة من فضليات المفكرات اللاتي كرسن حياتهن لترقية عالمنا النسائي، والأخذ بناصر أمهات رزحن طويلا تحت كلكل الجهل، وتخبطن في غياهب الخزعبلات والترهات؛ فقضين بالتعس والشقاء على أنفسهن وأولادهن وبعولتهن.
اختطفت المنية يوم الإثنين 28 أكتوبر سنة 1918 السيدة إنشراح هانم شوقي وهي في ريعان شبابها، إذ لم تتجاوز السابعة والعشرين بعدما عانت آلام المرض شهورا طوالا، وقاست نكد الزمان وعناده أعواما.
أنبتها والدها المرحوم مصطفى بك شوقي - وكان مستشارا في محكمة الاستئناف - نباتا حسنا، وهذب نفسها تهذيبا راقيا، فأتمت دراستها في مدرسة «الراعي الصالح» الفرنسية.
توفي والدها وهي صغيرة، ولما بلغت العشرين زوجها إخوتها رجلا جاهلا غير كفؤ لها، فلم تطق أن تعاشره أكثر من بضعة شهور، رزقت منه في أثنائها غلاما يبلغ الآن السادسة، تلوح عليه مخائل ذكاء أمه.
فاجأتها المنية ولم تنل من دهرها أملا من آمالها التي كانت تجيش في نفسها الكبيرة.
Bog aan la aqoon