حدثنا حفص بن عمر، رضي الله عنه، حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا عمر ابن أسد التميمي عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سيروا! سبق المفردون. قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: الذين اهتروا في ذكر الله. يأتون يوم القيامة خفافا، يضع الذكر عنهم أثقالهم)) وهم الذين وصفهم في حديث آخر: حدثنا بذلك أي، حدثنا الجماني، حدثنا صفوان بن أبي الصهباء، عن بكر بن عتيق، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن جده عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن ربه، عز وجل، قال: ((من شغله ذكره عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطى السائلين)). والمشغول بذكره عن مسألته هذا محله منه ونواله، فكيف بالمشغول عن ذكره به؟ إن هذا الأمر أجل من أن يفهمه ((الحطاميون)) و((البلعميون)).
قيل له: وما ((الحطاميون)) وما ((البلعميون))؟
قال: من أوتي ما أوتي من آيات الله وعلم هذا الطريق {فانسلخ منها} {أخلد إلى الأرض واتبع هواه} فهو يتأكل لهذا الاسم، ويكدر هذا الماء الصافي بجهله. فهم عبيد النفوس لم يخرجوا عن رقها. وشدوا شيئا من هذا الكلام، التقاطا وتوهما ومقاييس، فهم علائق الشيطان؛ يسبحون في ماء كدر، ويتلوثون في حمأة منتنة، فالماء الكدر علمهم، والحمأة مأكلتهم التي يتناولونها بذلك العلم.
قال له قائل: فهل يخاف المحدثون سوء العاقبة؟
قال: نعم، ولكن خوف ذهول وقلق. ويكون ذلك كالخطرات ثم يمضي، فإن الله تعالى، لا يحب أن يكدر عليهم منته.
قال له قائل: في أي وقت يكون ذلك أعمل فيهم؟
قال: إذا لاحظوا جلال الله، ثم لاحظوا مشيئته، وذكروا سابق علمه فيهم ذهلت منهم القلوب والنفوس. فإذا لاحظوا حظوظهم من الله تعالى التي خرجت لهم من الرأفة والرحمة والمحبة سكنوا. فذلك زمام هذه الأشياء، فلولا بهتهم في شأن العاقبة وذهولهم، لكانت النفوس في هذه الحظوظ التي نالوها، طلعة. ألا ترى الصبي العاقل؟ يبره أقرباؤه وعشيرته، وهو، على تناول برهم، منقبض عنهم: يهابهم ويحتشم من الانبساط. فإذا عاين أبويه انبسط ورفع الحشمة، واستبد واجترأ. فهل ذلك إلا بمعرفته بأبويه، وبما عاين من رأفتهم به ورحمتهم عليه، وبما أبدوا له من مكنون صدورهم من المحبة؟ فكفى بهذا لك دلالة من شأن الطفل تعتبر به!
Bogga 47