ثم لما قبض الله، عز وجل، نبيه صلى الله عليه وسلم ، صير في أمته أربعين صديقا. بهم تقوم الأرض؛ وهم آل بيته. فكل ما مات واحد منهم، خلفه من يقوم مقامه. حتى إذا انقرض عددهم، وأتى وقت زوال الدنيا - ابتعث الله وليا، اصطفاه واجتباه، وقربه وأدناه. وأعطاه ما أعطى الأولياء، وخصه بخاتم الولاية. فيكون حجة الله يوم القيامة، على سائر الأولياء، فيوجد عنده بذلك الختم صدق الولاية على سبيل ما وجد عند محمد صلى الله عليه وسلم ، من صدق النبوة. فلم ينله العدو، ولا وجدت النفس سبيلا إلى الأخذ بحظها من الولاية.
فإذا برز الأولياء يوم القيامة، واقتضوا صدق الولاية والعبودية - وجد الوفاء عند هذا الذي ختم الولاية تماما. فكان حجة الله عليهم وعلى سائر الموحدين من بعدهم؛ وكان شفيعهم يوم القيامة. فهو سيدهم: ساد الأولياء، كما ساد محمد صلى الله عليه وسلم ، الأنبياء. فينصب له مقام الشفاعة، ويثني على الله تعالى ثناء، ويحمده بمحامد يقر الأولياء بفضله عليهم في العلم بالله تعالى!
فلم يزل هذا الولي مذكورا في البدء: أولا في الذكر، وأولا في العلم: ثم هو الأول في المشيئة. ثم هو الأول في المقادير. ثم هو الأول اللوح المحفوظ. ثم الأول في الميثاق. ثم الأول في المحشر. ثم الأول في الخطاب. ثم الأول في الوفادة. ثم الأول في الشفاعة. ثم الأول في الجوار. ثم الأول في دخول الدار. ثم الأول في الزيارة. فهو في كل مكان أول الأولياء! كما كان محمد صلى الله عليه وسلم أول الأنبياء! فهو من محمد صلى الله عليه وسلم عند الأذن والأولياء عند القفا.
فهذا عبد مقامه بين يديه في ملك الملك. ونجواه هناك في المجلس الأعظم. فهو في قبضته. والأولياء من خلفه، دونه، درجة درجة. ومنازل الأنبياء بين يديه.
فهؤلاء الأربعون في كل وقت، هم أهل بيته. ولست أعني (آل بيته) في النسب، إنما هم أهل بيت الذكر. بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لإقامة ذكر الله وليبوأ له مستقرا، وهو الذكر الخالص الصافي. فكل من آوى إلى ذلك المثوى فهم آله. ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهبوا أتاهم ما يوعدون)) وإنما صار هؤلاء الأربعون أمانا للأمة (لأن) بهم تقوم الأرض، وبهم يستسقون الغيث. فإذا ماتوا أتاهم ما يوعدون. ولو كان (النبي عليه السلام) يعني به أهل بيته في النسب لكان يستحيل أن لا يبقى منهم أحد، فيموتوا عن آخرهم، وقد كثر الله عددهم حتى لا يحصون.
Bogga 33