ألا ترى إلى حديث الحسن البصري، رحمه الله، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، في حديث الشفاعة، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: ((فإذا أتوا آدم، يسألونه أن يشفع لهم إلى ربه، قال لهم آدم: أرأيتم لو أن أحدكم جمع متاعه في غيبته ثم ختم عليها، فهل كان يؤتى المتاع إلا من قبل الختم؟ فأتوا محمدا، فهو خاتم النبيين)) ومعناه عندنا: أن النبوة تمت بأجمعها لمحمد، صلى الله عليه وسلم ، فجعل قلبه، لكمال النبوة، وعاء عليها، ثم ختم.
ينبؤك (هذا)، أن الكتاب المحتوم والوعاء المختوم، ليس لأحد عليه سبيل، في الانتقاص منه، ولا بالازدياد فيه مما ليس منه. وأن سائر الأنبياء عليهم السلام، لم يختم لهم على قلوبهم، (فهم غير آمنين أن تجد) النفس سبيلا إلى ما فيها.
ولم يدع الله الحجة مكتومة، في باطن قلبه حتى أظهرها، فكان بين كتفيه، ذلك الختم، ظاهرا كبيضة حمامة. و(هذا) له شأن عظيم تطول قصته.
فإن الذي عمي عن خبر هذا، يظن أن ((خاتم النبيين)) تأويله أنه آخرهم مبعثا. فأي منقبة في هذا؟ وأي علم في هذا؟ تأويل البله، الجهلة!
وقرأ العامة ((خاتم)) بفتح التاء. وأما من قرأ من السلف بكسر التاء، فإنما تأويله أنه ((خاتم)) على معنى فاعل، أي: أنه ختم النبوة، بالذي أعطى من الختم. ومما يحقق ذلك، ما روي في حديث المعراج، من حديث أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أبي العالية فيما يذكر من مجتمع الأنبياء في المسجد الأقصى: ((فيذكر كل نبي منة الله عليه)). فكان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: ((وجعلني خاتما وفاتحا. فقال إبراهيم، عليه السلام: بهذا فضلكم محمد))!
Bogga 31