كم غر صبرك وابتسامك صاحبا
لما رآه وفي الحشا ما لا يرى
وهذا تناقض بين، فقد أخبرتنا في البيت الأول أن حبك وبكاءك ظاهران سواء أصبرت أم لم تصبر، وسواء أجرى دمعك أم لم يجر، ثم عقبت بأن صبرك خدع الناس وأخفى عليهم وجدك وهيامك. فأسرع المتنبي وقال: تلك حال وهذه حال، غاية الأمر أن البيت الثاني متقدم في الوجود على البيت الأول؛ لأن هذا المحب في أول أمره وقبل أن يضنيه الهوى، ويغير حاله الهيام، كان يغر من رآه، ولكنه بعد أن ألح عليه السقم لم ينفعه الجلد ولم يغن عنه الصبر، فبدا هواه لكل ناظر. - هذا طريق ملتو لا تدرج فيه العقول. ثم ماذا تقول في مخالفتك بين مصراعي البيت الأول؟ فقد أتيت في المصراع الأول بإيجاب بعده نفي، وفي المصراع الثاني بنفي بعده إيجاب. - إنها مخالفة في اللفظ لا في المعنى يا سيدي؛ لأن من صبر لم يجر دمعه، ومن لم يصبر جرى دمعه. فقهقه ابن العميد وصاح: لن تغلب يا أبا الطيب، فإن لك في كل مضيق منفذا يخفى على كل عين.
وذهب المتنبي إلى داره وقد آلمه النقد فالتقى بابن حمزة، وقال: لقد ألقى علي سيدك الرئيس اليوم درسا في الأدب والنقد. ثم أخبره بما دار في المجلس فهون عليه الأمر، وقال: إنها ممازحة أديب. فصاح المتنبي: لا أحب هذه الممازحات. - لقد أكرمنا الرجل وأحسن مثوانا، فيجب أن نغضي عن بعض ما لا نحب، بل يجب أن نعترف له بالسبق في ميدان الأدب في شيء من المجاملة والتواضع.
وجاء عيد النيروز وهو عيد يحتفل فيه الفرس بقدوم الربيع، وينثرون الورود في كل مكان، وينظمون من الأزهار عقودا وتيجانا، فأعد المتنبي قصيدة من أروع الشعر وأبدعه خيالا وأحلاه رنين نغم، هنأ فيها أبا الفضل بالنيروز، واعتذر عن بعض تقصيره في قصيدته الرائية، وقد جاء في القصيدة الجديدة :
نحن في أرض فارس في سرور
ذا الصباح الذي نرى ميلاده
عظمته ممالك الفرس حتى
كل أيام عامه حساده
ما لبسنا فيه الأكاليل حتى
Bog aan la aqoon