ع وعند التعمق الزلل
وبينما هما في الحديث إذ دخل الحاجب يؤذن بقدوم المتنبي وأنه ينتظر بظاهر المدينة، فوثب ابن العميد من مضجعه وأمر حجابه وقواده باستقباله، فسار الموكب وعاد بأبي الطيب بين مظاهر الحفاوة والإكرام، ولما مثل بين يدي ابن العميد قام له وقرب إليه كرسيا عليه وسادة من ديباج، وقال: لقد شرفت بك بلاد فارس يا أبا الطيب، ولقد كنا في شوق إليك وإلى شعرك وأدبك، وكنا نتلقط أخبارك ونتزود بما يطير إلينا من أشعارك بعد أن ملأت شهرتك الدنيا وشغلت الناس، إن شعرك أصبح حديث كل لسان، ومستشهد كل أديب، فلقد ماتت إحدى أخواتي، فورد علي نيف وستون رقعة في التعزية ما منها إلا وقد صدر بقولك:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
فوقف المتنبي إجلالا لهذا الثناء وقال: أدبي يا سيدي قطرات من بحرك الفياض، ولمحات من عبقريتك النادرة. فابتسم ابن العميد واهتز للمديح، ثم سأله عما لقيه في طريقه وما لاقاه في سفره، فأفاض في وصف الطريق وما احتمله من عناء ونصب، ثم أسرع فقال: وقد هون كل هذا رجاء مولانا والأمل في لقائه، وبحث في كمه فأخرج درجا كتب فيه قصيدة فوقف وأنشدها بين يدي ابن العميد، وكان الجمع حاشدا، وإعجاب السامعين شديدا، والثناء على الشاعر متواليا، ووصله أبو الفضل بمائتي دينار وبسيف من أثمن السيوف وأغلاها، وأفرد له دارا وخص به خدما وعبيدا. وكان الشاعر يزوره في كل يوم ويظهر الابتهاج والسرور، ويحمد الله الذي وفقه إلى قصده. واقتنص ابن العميد الفرصة فقرأ على أبي الطيب كتابه الذي سماه «ديوان اللغة»، وكان يعجب لحفظه وغزارة علمه بالأوابد والنوادر. وأراد يوما أن يتبسط مع أبي الطيب ويداعبه، فقال: إن لي نظرات ومآخذ على قصيدتك التي أنشدتها. فدهش المتنبي، وقال: ما هي يا سيدي؟ - لقد قلت:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا
وبكاك ما لم يجر دمعك أو جرى
ثم قلت بعد هذا البيت:
Bog aan la aqoon