ويؤمنون بأن الأحكام القدرية مرتبطة هى والأمور الكونية، بالأخلاق الإنسانية، فإذا كانت الأخلاق مستقيمة استقام الكون، وإذا فسدت اضطرب، فكلما كان الاعتدال والانسجام والعدالة بين الناس استقام الكون ولا يضطرب. وما الزلازل وما خسف الأرض وكسوف الشمس وخسوف القمر إلا من فساد الأخلاق، وعدم استقامتها. وهى أمارات على ذلك، وإذا كان السلوك غير القويم يحدث الاضطراب، فالسلوك القويم يجلب الخير، والبركات، ويجعل كل ما فى الكون يجيء على ما يحبه الإنسان ويرضاه.
وعلى ذلك يكون المؤثر فى الكون ثلاثة:
أولها: السماء بسلطانها، والأرض بقبولها لحكم السماء، والإنسان بإرادته الخلقية. فإن اختار خير الأخلاق وأفضلها واتجه إليها فإن مظاهر الكون تكون لخير الإنسان. فالجو يمتليء بالنسيم العليل، والحرارة المنعشة غير اللافحة، والغيث المحيى لموات الأرض من غير أن يخرب العمران، ويصير غيثا، وتكون الشمس المشرقة، والنهار المبصر والليل الساجى.
١٣- وبذلك نجد أن العقيدة الصينية فاسدة، والخلق الصينى قوي، والإرادة الصينية قويمة ولكنها قائمة على عقائد فاسدة، وما يقوم على الفاسد لابد أن ينهار، إذ هو قائم على شفا جرف هار، غير مستقر ولا ثابت الدعائم.
وإذا كانت الفلسفة اليونانية ووليدتها الرومانية قد عجزتا عن تكوين حكم خلقى له مقياس ثابت لا يتغير بتغير الأعراف ولا بتغير الأماكن والأزمان، فإن الصين قد وصلت إلى حكم عملى حسن فى جملته يتجه إلى الخير فى غايته. ولكنه لم يقم على دعائم ثابتة من إيمان، خالية من الأوهام، وعقيدة بعيدة عن الأخيلة غير المحققة ولا الثابتة.
إن العقيدة الصالحة هى التى توجد الأخلاق الثابتة، وهى التى توجد المجتمع الفاضل الذى يريد الخير بدافع من إيمان ثابت الدعائم قوى الأركان.
١٤- وننتهى من هذا السياق الذى انتقلنا فيه من اليونان والرومان سائرين إلى الشرق الأدنى فالشرق الأقصى- إلى أن العالم كله فى الفترة التى كانت قبل المسيح وخاتم النبيين محمد ﷺ، كان يموج فى مضطرب فسيح من الاراء والمنازع المتناحرة.
وإنه فى الوقت الذى كانت الوثنية تضيق فيه ذرعا بالواحدانية التى جاء بها موسى وخلائفه، وجاء بها عيسى وحملها حواريوه- كان الشرق الأقصى بعيدا عن هذه الدعوات إلى الواحدانية، فكانت فيه
1 / 20