قال الشيخ للشاب: «إن الخير ليس في محاولة إصلاح المجتمع الفاسد بالعمل والاختلاط، إذ أن الاختلاط يفسده، بل الخير كل الخير في الزهادة والقناعة والاعتزال، والتسامح، ومقابلة السيئة بالحسنة، وهي العفو» .
قال الشاب للشيخ: «إذا كان واجب كل شخص من احاد الأمة أن يعتزل في كهف من الكهوف فمن الذي يبقي في المدن يعتمرها، وفي الأرض يفلحها ويزرعها، وفي الصنائع يمهر فيها، ومن الذي ينسل ويعمل ليبقي الكون عامرا ببني الإنسان؟ وإذا كان الاعتزال مقصورا علي الحكماء، والفضلاء، فمن الذي يربي الإنسان ويؤدبه، أم يترك الناس حائرين بائرين لا هادي ولا مرشد» .
عقيدة الصين القديمة:
١٢- ومهما تكن اراء كونغ فوتس من الحكمة والصواب فقد اختلط بها ما ليس سائغا، فقد كان يعتقد بالهة، وبأن السماء مرتبطة بالأرض، فيصلح الكون إذا صلح الإنسان، ويفسد بفساده، لقد كان كونج فوتس يعتقد ما يعتقده الصينيون القدماء.
وأساس هذا الاعتقاد أنهم يعبدون ثلاثة أشياء: السماء، والأرواح المسيطرة على ظواهر الأشياء، (الملائكة)، وأرواح الاباء.
والسماء التى يعبدونها لا يقصدون بها تلك القبة الزرقاء، بل يقصدون الأفلاك ومداراتها، والقوى المسيطرة التى تسيطر عليها وتسيرها فى مدارتها. وباتصالها بالأرض والرياح والأمطار تنبت الأرض، وكانت عبادتهم للسماء لاعتقادهم أنها عالم حى يتحرك حسب نظام دقيق محكم، وللسماء السلطان الأكبر على العالم، إذ أن كل ما فيه من قوى مسيرة خاضع لسلطان السماء.
وظاهر كلامهم أنهم لا يفرضون للكون- سمائه وأرضه- قوة منشئة مغايرة هى المدبرة والتى تحفظ العالم، وتحول قواه، فهم بذلك يعدون منكرين لله الواحد الأحد الفرد الصمد، وعلى ذلك يكون الأساس الذى بنيت عليه عقيدتهم باطلا.
وهم يعتبرون التحول والتغير فى الكون على حسب مداركهم، وعلى أساس عقيدتهم السقيمة، فهم يرون أن العالم قسمان مادى وروحى وأن الروحى، هو الذى يسير المادي، فهم بهذا يرون أن المنشيء من ذات الكون لا من قوة فوقهم، وبذلك يتقاربون من الفلسفة الأيونية.
ومع أنهم لا يؤمنون بالواحد الأحد المنفرد بذاته عن المشابهة يؤمنون بالقضاء والقدر، ويرون أن السماء هى التى تقدر وتقضي، فلا مفر من حكمها فى زعمهم، ولا خلاص من سلطانها فى اعتقادهم.
1 / 19