وتذكر الروايات التي تبدأ بسيف بن عمر أن أبا بكر لما وصل إلى المدينة جمع رجالا من القبائل المجاورة للمدينة وأرسلها إلى ذي القصة لتقوية جيش المسلمين، ثم عاد إلى ذي القصة، فاستعرض الجيش وقسمه إلى إحدى عشرة فرقة، وعين قائدا لكل منها، فوجهها إلى مناطق المرتدين في جزيرة العرب لقتالهم والقضاء على حركة الردة.
وهذه الرواية التي يرويها سيف يصعب تصديقها، وذلك:
أولا:
لأن قوة المسلمين لم تكن في عدد يكفي لتقسيمها إلى إحدى عشرة فرقة.
ثانيا:
أن إيفاد فرق البحرين وعمان ومهرة وحضرموت واليمن قبل قمع الفتنة في قلب جزيرة العرب مسألة فيها نظر.
ويمر طريق البحرين وعمان ومهرة ببلاد بني حنيفة، وفيها مسيلمة ثائر وهو معتصم في بلاده الوعرة. والحقيقة أن قوة جيش المسلمين لم تجاوز بضعة آلاف على ما ذكرناه في بحث تقدير قوة الفريقين؛ فجيش أسامة لم يتجاوز ستة آلاف، أما القوة التي جهزها لمقاتلة من اجتمع في ذي القصة فلم تتجاوز الألفين. فتقسيم هذه القوات جميعا إلى أحد عشر قسما مما يجعل كلا منها ضعيفا، بحيث لا يستطيع القيام بالواجب المنوط به، بينما الأخبار تؤيد أن جيش خالد بن الوليد وحده كان يبلغ أربعة آلاف رجل، ثم إن هناك أخبارا تؤيد حبوط هجوم فرقة عكرمة بن أبي جهل، وكذلك هجوم فرقة شرحبيل بن حسنة على قوات مسيلمة وانسحابهما إلى الوراء والتحاقهما بفرقة خالد بن الوليد؛ مما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد أن أبا بكر فكر قبل كل شيء في القضاء على حركة الردة في وسط جزيرة العرب، وجمع لذلك ما في يده من القوات المتيسرة وناط قيادتها بخالد. (10) قوة الجيش
إن الرواة على عهدنا بهم لم يرووا لنا مقدار قوة المسلمين التي احتشدت بقيادة خالد بن الوليد في ذي القصة، والمصدر الوحيد الذي يذكر لنا قوة خالد هو أبو حبيش؛ إذ يروي لنا أنها كانت تبلغ أربعة آلاف مقاتل قبل حركته إلى بزاخة.
وكان الجيش على ما سبق بيانه مؤلفا من القوة التي جمعها أبو بكر من القبائل المجاورة للمدينة على جناح السرعة للهجوم على المرتدين في ذي القصة بعد تهديدهم للمدينة. ومن القسم الذي التحق به من جيش أسامة بعد عودته إلى المدينة قبل الهجوم على الأبرق. ومن الواضح أن البعض منه تخلف عن الالتحاق ليقضي مدة من الزمن بين أهله بعد أن غاب عنهم مدة شهرين في سفره إلى الشمال.
والذي يظهر من رواية سيف أن أبا بكر لما عاد إلى المدينة أرسل هذا القسم المتخلف أيضا إلى ذي القصة، وبعد التحاقه أصبح جيش خالد أربعة آلاف أو أكثر، وكانت قوة الأنصار وحدها تبلغ زهاء خمسمائة مقاتل. أجل إن العدد ضعيف بالنظر إلى المهمة الخطيرة المنوطة به، إلا أن تجانس القوة في هذا الجيش وصلابة المعتقد فيه وتفرق كلمة القبائل المرتدة جعلته أهلا للعمل. (11) منطقة الحركات
Bog aan la aqoon