هكذا تحدث الردة التعليمية وتكريس فكرة تقسيم العمل على أساس الجنس تحت اسم «الأمومة».
رغم هذا التمجيد الخادع للأمومة فإن حقوق الأم أصبحت تتناقص حتى في وزارة التعليم ذاتها، وفي مايو 1998 أصدرت هذه الوزارة قرارها رقم 242 بحرمان الأمهات من حق عضوية الجمعية العمومية لأولياء أمور التلاميذ والتلميذات في المدارس القومية، وأصبح هذا الحق قاصرا فقط على الآباء بعد أن كان يشمل الآباء والأمهات معا.
إلا أن الجريدة الأمريكية لم تذكر شيئا عن هذا، بل راحت تمجد فكرة تدريس مواد خاصة للبنات تحت اسم «الأمومة»، وتؤيد فكرة إنشاء مدارس خاصة للتلميذات بحجة أن الآباء يرفضون إرسال بناتهم إلى المدارس العادية خوفا من الاختلاط.
لكن حسن الإحصاءات الرسمية في مصر فإن نسبة البنات في المدارس الحكومية المختلطة تزيد عن 46٪ من جملة عدد التلاميذ والتلميذات، ومن المعروف أن الاختلاط داخل المدارس لا يشكل خطورة على البنات بسبب الرقابة المدرسية المستمرة، كما أن الاختلاط يحدث في الشوارع والمواصلات العامة والمحلات والأسواق، وكل مكان إلا أن الأفكار المحافظة التي تشجع التفرقة بين الجنسين قد انتشرت منذ السبعينيات، في ظل حكم السادات، الذي شجع تصاعد القوى الدينية والسياسية المحافظة لضرب القوى الناصرية والاشتراكية، وبدأت ظاهرة الحجاب تنتشر بين تلميذات المدارس والجامعات.
حين كنت تلميذة بالمدرسة الثانوية منذ نصف قرن (1948) لم يكن في مدرستي تلميذة واحدة ترتدي الحجاب أو تلف شعرها بإيشارب.
اليوم (في فبراير 1999) إن تصادف مروري بمدرسة ثانوية للبنات أثناء خروج التلميذات فإني أرى مشهدا غريبا، مئات أو آلاف التلميذات مرتديات الحجاب أو الإيشارب حول رءوسهن.
تخدم العولمة والقوى الاستعمارية الجديدة هذا الاتجاه المعادي لتحرير نصف المجتمع من النساء، والمعادي أيضا لتحرير النصف الآخر من الرجال، إلا أن القيود على الرجال ليست مرئية مثل حجاب الرأس للنساء، ذلك أن «حجاب العقل» أشد خطورة ولا يرى بالعين، كما أن تغير السياسة الاقتصادية في البلاد وإخضاع الاقتصاد المحلي لمصالح الاقتصاد العالمي، وتعرض النساء لهذا الاستغلال أيضا مثل الرجال، بالإضافة إلى الاستغلال الخاص الواقع على المرأة لمجرد أنها امرأة. (3) ضرب حركات النساء والفكر النسائي المتقدم
لقد ضربت حركات النساء التحريرية في العالم، ومنها الحركة النسائية الأمريكية، خرجت أجيال جديدة من النساء يتنكرن لحركة أمهاتهن وجداتهن، صدرت كتب بأقلام نساء يمجدون الأمومة والعودة إلى دور المرأة الطبيعي لخدمة الأطفال والأسرة، وقد ترجمت بعض هذه الكتب إلى اللغة العربية في السنين الأخيرة، رحب بها الرجال في بلادنا من العلماء وأطباء النفس، وما يطلق عليهم المثقفون أشادوا بهؤلاء الكاتبات الأمريكيات الجديدات اللائي عدن إلى الله والطبيعة الأنثوية بعد الانحراف عنها في الحركات النسوية المتطرفة الشاذة التي انتشرت خلال القرن العشرين.
وفي مصر فإن 20٪ على الأقل من العائلات تعولها نساء؛ أي أن المرأة تقوم بالدورين معا: الأمومة والأبوة، ولا أحد يعترض على ذلك، بل تشجع المرأة على الإنفاق على الأسرة والعمل خارج البيت بأجر، وبشرط ألا تقصر في واجباتها المنزلية.
أكثر القوانين ظلما للمرأة في بلادنا هو قانون الزواج، تتحول الزوجة في ظل هذا القانون إلى قاصر، يملك زوجها حق الولاية عليها حسب مبدأ الاحتباس؛ أي للزوج الحق في حبس زوجته بالمنزل، وعدم التصريح لها بالخروج إلى عملها، أو السفر خارج البلاد، أو استخراج جواز سفر.
Bog aan la aqoon