215

Jabinta Xuduudaha

كسر الحدود

Noocyada

وفي يومنا هذا يتكرر الاتهام ذاته ربما على نحو مختلف، إلا أن جوهر الاتهام واحد، والقصور في فهم قضية المرأة واحد، والفصل بين الخاص والعام واحد، واعتبار قضية المرأة قضية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية عامة، وليس لها علاقة بذلك الشيء المستورد من الغرب الذي يندرج تحت اسم جنس أو المشاكل الجسدية للنساء، وهي في نظرهم مشاكل ثانوية أو هامشية أو تافهة وليست مشاكل حقيقية محترمة مثل مشاكل الاقتصاد والتنمية الاقتصادية أو الإصلاح الاقتصادي وغير ذلك من القضايا العامة.

رغم مرور أكثر من نصف قرن لا تزال هذه النغمة سائدة، تهيمن على عقول النساء والرجال من النخبة المثقفة في بلادنا؛ بل كثيرا ما تقع النساء المتعلمات أنفسهن في هذا المأزق، وبصرف النظر عن الاتجاهات السياسية أو الحزبية، يسار أو يمين أو وسط، فإن قضية المرأة لا تزال غير مفهومة، ولا يزال الفصل بين الاقتصاد والجنس قائما، وكذلك الفصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة، أو ما يندرج تحت أمور الدولة وأمور العائلة أو الأسرة، رغم أن الأسرة هي النواة والحجر الأساسي الذي تقوم عليه الدولة والمجتمع.

بالأمس فقط قرأت في الصحف كلاما عن قضية المرأة المصرية يفصل بين قضايا الاقتصاد وقضايا الأسرة والجنس، يشبه الكلام الذي قرأته منذ نصف قرن، والذي يتكرر دائما في الأزمات أو في الانتخابات، حين تصبح قضية المرأة كبش الفداء في الصراعات على المقاعد ومراكز القوة في المجتمع والدولة.

كتبت إحدى القيادات النسائية من النخبة المثقفة تقول إن قضية المرأة في بلادنا هي قضية تتعلق بالفقر والأمية، والمطلوب هو إدماج المرأة في مشاريع التنمية والإصلاح الاقتصادي، أما مشاكل الأسرة والجنس فهي مشاكل تهم النساء في الغرب وليس النساء في بلادنا، نحن نعيش في بلاد إسلامية لها قيمها وتقاليدها وتراثها وهويتها الأصيلة وخصوصيتها الثقافية.

يذكرني هذا الكلام بما تكتبه النساء الأمريكيات المستشرقات عن قضية المرأة في بلادنا، وما صدر من كتب جديدة بأقلامهن عن المرأة والإسلام، وقد أكدت بعضهن على أن ختان المرأة وحجابها جزء من هويتها الأصلية، ويجب عدم التخلي عن هذه الهوية الثقافية في بلاد العالم.

هكذا يتم التضليل فيما يخص قضية المرأة، وكأنما التقاليد القديمة كلها إيجابية ولا بد من الحفاظ عليها، ولا توجد تقاليد سلبية يجب الإقلاع عنها، وهل الغرب كله فاسد الأخلاق مشغول بالجنس والإباحية والشذوذ؟! وهناك رجال ونساء في الغرب يكدون ويخترعون في مجالات العلم والفن والأدب، وأغلب الاختراعات والإبداعات العلمية والفنية حدثت في الغرب، فكيف نطلق هذا التعميم الخاطئ على الغرب؟!

كما أن الشرق ليس كله طاهر ونقي ومشغول بالقيم والفضيلة، وهناك رجال ونساء في الشرق يتاجرون بالجنس، ويتاجرون بالقيم الأخلاقية والدينية في السوق المالية.

لقد أصبح تقسيم العالم إلى غرب وشرق مضللا لا يكشف عن الحقائق أو التنوع بل هي نظرة أحادية تعتمد على التعميم من أجل التعتيم على الحقيقة، وقد حدثت في الغرب مظاهرات شعبية ضد العولمة وضد البنك الدولي وضد منظمة التجارة الدولية وغيرها من المؤسسات الاستعمارية الجديدة، هذه المظاهرات لم تحدث في الشرق، لم تحدث في بلادنا رغم أن بلادنا تعاني من هذه المؤسسات أكثر من غيرها، وينالها من الفقر والبطالة أكثر مما يحدث في بلاد أخرى.

كما أن مفهوم الجنس قد تغير منذ القرن الماضي، لم يعد الجنس مجرد عملية بيولوجية أو كيميائية يمكن تنشيطها بالعقاقير أو الفياجرا، بل أصبح الجنس عملية إنسانية يشعر فيها الإنسان (الرجل أو المرأة) أنه لا يوجد انفصال بين الجسد والعقل والروح، أصبحت العلاقات بين الجنسين أكثر إنسانية وأكثر عدالة ووعيا، وأصبح علم الجنس في كليات الطب في العالم لا يقل احتراما عن علم النفس، وتم الترابط في الطب الحديث بين الأمراض النفسية والجسدية والجنسية لا فاصل بينها، كما أن مفهوم الاقتصاد قد تغير منذ القرن الماضي، وسقوط الفكر الجامد، الذي كان يرى أن الاقتصاد وحده محرك التاريخ، وأن رأس المال وحده مشكلة الرأسمالية، لقد تم الربط بين علم الاقتصاد وعلم الاجتماع والثقافة والتاريخ والفلسفة والطب، وفي جامعات العالم بدأت أقسام جديدة تربط بين العلوم الإنسانية وبين العلوم الطبيعية، بين الاقتصاد والفيزياء وعلم النفس وعلم الجنس، وأصبح التاريخ الاجتماعي للبشر يشمل التاريخ الجنسي والتاريخ الاقتصادي في آن واحد.

وفي علم الحضارات الجديد بدأ العلماء يرون أنه ما من حضارة نقية خالية من السلبيات، فالحضارات الإنسانية متداخلة لا يمكن الفصل بينها، والهوية متعددة الجوانب والأبعاد وليس لها جانب واحد، وتم الفصل بين الهوية الأصلية وبين استئصال الأعضاء الجنسية في عمليات الختان.

Bog aan la aqoon