حقائق التاريخ تؤكد أن النساء والعبيد اتحدوا معا في الثورة ضد النظام الفرعوني العبودي في مصر القديمة، لقد حاربوا معا نساء وفقراء وأجراء ضد بطش الفراعنة والآلهة القدامى، كان النظام العبودي أو الطبقي الأبوي قائما على السلطة المطلقة للرجل في العائلة، والسلطة المطلقة للفرد الحاكم في الدولة، الإله فرعون، لقد حدثت ثورات عديدة ضد هذا النظام شارك فيها النساء والرجال والشباب والأطفال، لولا هذه الثورات الشعبية لم يكن للعصر العبودي أن يزول، ويحل مكانه العصر الإقطاعي، ثم العصر الرأسمالي القديم، ثم الحديث وما بعد الحديث الذي نعيشه اليوم، وهو نظام طبقي أبوي في الأساس يقوم على سلطة الرجل المطلقة في الأسرة، وسلطة الفرد أو مجموعة من الأفراد في الدولة، تطورت القوانين العامة والخاصة مع مرور السنين، ومع ازدياد القوة السياسية للنساء والفقراء، أصبحت السلطة المطلقة للزوج تناقش في البرلمانات، في محاولة للحد من هذه السلطة المطلقة، وقد شهدنا مؤخرا الصراع داخل البرلمان المصري للحد من سلطة الزوج في الطلاق، أو في منع زوجته من السفر، وإعطاء المرأة بعض حقوقها الشرعية القديمة مثل الخلع، كما شهدنا أيضا الصراع من أجل الحد من السلطة الدكتاتورية في الدولة، ومنح بعض الحريات للشعب أي بعض الديمقراطية.
خلال القرن العشرين بدأت قضية تحرير المرأة في بلادنا تخرج من مفهومها الضيق المحدود بأمور الأسرة والأمومة والأطفال إلى مجالات السياسة والاقتصاد والجنس، ذلك المجال الذي كان محرما الكلام فيه، رغم أن القهر الجنسي للنساء والفقراء الرجال هو الوجه الآخر من القهر الاقتصادي والسياسي.
حسب نظرية المعرفة الجديدة لا يمكن فصل الاقتصاد عن الجنس، ولا يمكن فصل الحياة العائلية الخاصة عن الحياة العامة السياسية والاجتماعية الشاملة لنواحي الحياة جميعا.
إذا رجعنا إلى التاريخ ندرك أن هذا الفصل قد نشأ مع نشوء النظام الطبقي الأبوي، من أجل تجزئة المعرفة، وبالتالي تجهيل الناس بما يحدث لهم، أصبحت المعرفة الكلية نوعا من الإثم، وقد تم تحريمها على النساء والفقراء والعبيد.
لا شيء يؤهل المرأة والعبد للثورة ضد النظام الظالم إلا المعرفة الكلية الحقيقية التي لا تفصل بين الخاص والعام، ولا تجعل الازدواجية أو الثنائية هي أساس القوانين والأخلاق والفلسفة، هذه الثنائية الراسخة في التاريخ منذ العبودية، والتي قسمت المجتمع إلى نساء وعبيد، وأصبحت الأسرة هي النواة الصغيرة التي يسيطر فيها الرجال على النساء، والدولة هي المجتمع الأكبر الذي تسيطر فيه القلة المالكة للثورة والسلطة على الأغلبية الساحقة من الفقراء.
وأصبحت المرأة ترمز إلى الجسد أو الجنس غير المحترم، وأصبح الرجل يرمز إلى العقل أو الروح الأعلى السامي، أصبحت القضايا العامة هي القضايا المحترمة، أما القضايا الخاصة فهي غير محترمة، ومن هنا النظرة الدونية إلى مشاكل الجسد والجنس والمرأة، والنظرة السامية الرفيعة إلى المشاكل السياسية والاقتصادية والثقافية العامة.
لا بد لنا من دراسة الماضي وربطه بالحاضر حتى ندرك أن الاقتصاد لا ينفصل عن الجنس، وأن الجسد لا ينفصل عن العقل عن الروح، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال فصل قضايا تحرير النساء عن قضايا تحرير المجتمع كله.
إلا أن النخبة المثقفة في بلادنا من الرجال أو النساء لا تدرك هذه الحقيقة، وتكرر أخطاءها في فهم قضية المرأة منذ القرن القديم وحتى القرن الجديد الواحد والعشرين.
وقد اتهمت النساء رائدات الحركة النسائية المصرية في بداية القرن العشرين بالاتهام ذاته الذي اتهمت به الرائدات في منتصف القرن العشرين، وهو الاتهام ذاته الذي يوجه إلى رائدات الحركة النسائية اليوم، ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين.
حين تكلمت مي زيادة وملك حفني ناصف عن تحرير المرأة من القهر الخاص داخل الأسرة، تم اتهامها بالقصور عن إدراك القضايا العامة الهامة الخاصة بالوطن والمجتمع، وحين تكلمت درية شفيق عن قضية المرأة المصرية خرجت بعض النساء توزع المنشورات ضدها تتهمها بالبرجوازية وتقليد الغرب، وحين تكلمت بعض النساء المصريات في منتصف القرن العشرين ضد ختان الإناث وربطن بين المشاكل الجنسية والمشاكل الاقتصادية قامت الدنيا ضد هؤلاء النساء، كيف ينطقن كلمة جنس؟ أو كلمة ختان؟ وتم اتهامهن بالفساد، وتحريض البنات على الحرية الجنسية على غرار الإباحية في الغرب.
Bog aan la aqoon