يحتج فيه إلى الاستدلال ولا الاجتهاد، بل ولا يحتاج فيه العامي إلى المفتي.
ويكفيه في معرفة الإجماع الطريق الأول والرجوع إلى الكتب الفقهية التي صنفها الأصحاب، فإن الغرض الأهم من وضعها معرفة الإجماع والخلاف منها.
ولا يجب عليه الاستقصاء على مجموعها لانتشارها وكثرتها، بل الواجب عليه الاطلاع على المتداول المعروف دون ما شذ منها وندر.
وإذ قد عرفت أن ما هو مذكور من الأحكام الشرعية، والمطالب الفقهية، والمسائل الفرعية، في أحد هذه الأمور الثلاثة ليس محل الاجتهاد ولا مناط الاستدلال، ولم يبق محله إلا ما عدا ذلك من المسائل المحتاج فيها إلى الاستنباط بأدلة العقل، فحينئذ نقول:
الحادثة التي تعرض للمستدل ويريد البحث عن حكمها، إن كانت من الحوادث التي وقعت في اصول الشريعة، وبحث الفقهاء عنها وسطروها في كتبهم الفقهية، كان الواجب عليه فيها المطالعة والنظر بالفكرة المستجمعة للشرائط في مذاهبهم فيها، وما ذكروه من الأدلة المتعارضة، والأمارات الموجبة لكل فريق الرجوع إلى ما اقتضته، وما أورد بعضهم على بعض من الإيرادات والأسولة.
فإن أداه نظره إلى قوة أحد تلك الأمارات، وضعف ما عداها، وجب عليه العمل بما أداه نظره إليه، وكان اجتهاده حينئذ موافقا لاجتهاد ذلك القائل قبله.
وان لم يؤده نظرة إلى قوة شيء منها، بل كانت كلها في نظره ضعيفة، وأمكنه الإيراد على مجموعها، وأداه فكره إلى ان حكمها غير ما ذكروه بدليل قوي عنده، وجب عليه الرجوع إلى ما اداه نظره إليه، ولم يرجع إلى قول أحد ممن تقدمه لأن ذلك أقصى تكليفه.
Bogga 134