[ عرفت ذلك ؟ ]، والمعرفة: الاعتقاد الذي يكون معتقده على ما تناوله مع سكون النفس، فالاعتقاد جنس الحد يدخل تحته سائر الاعتقادات، وقولنا: الذي يكون معتقده على ما تناوله خرج به الظن الفاسد وهو الجهل المركب، وقلنا: مع سكون النفس، خرج به الظن الصحيح، فإنه وإن كان معتقده على ما تناوله لكنه لا يسمى معرفة لأجل عدم سكون النفس إليه، قيل: وتسمى علما، ودراية، وفهما، وفقها، وأنها مترادفة، والأظهر خلافه إلا أن بينها تلازما من جهة العموم والخصوص، فالعلم أعمها لأنه تجلي الشيء ووضوحه وعدم خفائه سواء كان عن اعتقاد كعلم أحدنا أم لا كعلم الباري تعالى، والمعرفة: العلم الاعتقادي فكانت أخص، والدراية: العلم بالشيء ممن شأنه أن يجهل، والفهم: سرعة إدراك الشيء بعد جهله، والفقه: إدراك ما فيه غموض، وبهذا لا يصح أن يطلق شيء منها على الله تعالى إلا العلم، فإن أطلق شيء منها عليه فمجاز عن العلم من باب استعمال المقيد في المطلق، هذا ولا خلاف أن معرفة الله تعالى واجبة على كل مكلف ذكر أو أنثى حر أو عبد، وإنما الخلاف هل وجبت شكرا أو لطفا، وهل واجبة على التفصيل في كل مكلف أم على الإجمال في كل مكلف، أم يفصل بين العلماء والعوام، فحكي في شرح الأساس عن قدماء أئمتنا عليهم السلام وأبي علي من المعتزلة: أنها وجبت شكرا بمعنى أنها شكر للباري تعالى في مقابل النعم، لأن شكر المنعم واجب عقلا، والمعرفة شرط وشطر في صحة أدائه لأنه لا يتم توجيه شكر المنعم، ولا يتأتى إلا بعد معرفة المشكور، ولم يحك أنها وجبت لأجل اللطف بمعنى أنها وجبت لما فيها من اللطف للمكلف في القيام بما كلف لأدائه من الواجبات وتركه من المحرمات إلا عن سائر المعتزلة، لكن يفهم من حكايته القول الأول عن القدماء فقط أن في المتأخرين من أئمتنا عليهم السلام من يوافقهم على ذلك بمعنى أنها لطف للمكلف في القيام بما كلفه من سائر الواجبات، وأما القرشي في المنهاج فلم يحك القول بوجوبها شكرا إلا عن أبي علي في أحد قوليه وقال: إنه باطل، والقول الآخر عنه أنها وجبت لأن وجه وجوبها قبح تركها، وهو الجهل بالله تعالى والظن ونحوهما، وحكى شيخنا صفي الإسلام رحمه الله تعالى القول بوجوبها شكرا عن بعض أئمتنا عليهم السلام، ولم يبينه ولعله أراد القدماء منهم كما حكاه شارح الأساس، ثم حكى رحمه الله عن المؤيد بالله، وأخيه الناطق بالحق أبي طالب، والمنصور بالله، والأمير المؤلف، والإمام يحيى، والمهدي عليهم السلام وأكثر المتأخرين وجمهور المعتزلة أن الشرائع ألطاف في الواجبات العقلية، والشكر يعني العقلي هو الاعتراف فقط، ثم قال: فمعرفة الله وجبت لأنها لطف للمكلفين في القيام بما كلفوه، ثم قال: ولا يخفى أن كون الطاعات شكرا لا ينافي أن الشرائع ألطاف، فإن الهادي عليه السلام والقاضي وابن متويه مصرحون بأنها شكر مع أن الشرائع ألطاف، وحكى ابن حابس رحمه الله تعالى القول بأن معرفة الله وجبت للشكر لا لغيره - يعني لا لأجل اللطف ولا لغيره - وأن الطاعات شكر عن الهادي وقدماء العترة عليهم السلام،وحكي عن المهدي وكثير من المعتزلة وبعض صفوة الشيعة أن الشرائع ألطاف في العقليات، وأن الشكر الاعتراف فقط إلى أن قال: وكلامهم باطل من أصله لقوله تعالى: {اعملوا آل داوود شكرا} [سبأ:13]، وإجماع أهل العربية على أن الشكر قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان في مقابلة النعمة.
Bogga 46