خطبة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل
Bogga 2
الحمد لله الذي أنشأ أصناف الموجودات، وجعلها دليلا على ربوبيته وانفراده بأزليته، وألزمها إمكان الزيادة والنقصان لإقامة الحجة على إحداثه لها، وجواز فنائها باقتداره ومشيئته، ووسمها بالأعراض المختلفات والمتشابهات ليرشد قلوب العارفين أنه لا يشبه شيئا من بريته، الحي الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وكل شيء عنده بمقدار، السميع البصير الذي يدرك خفيات الأصوات، ويشاهد ما في قعور البحار وما تحت كثيفات الأستار، المتعالي عن إداركه بالأبصار، والمتقدس عن توهمه بالأفكار، القريب إلى خلقه بتدبيره إياه حسبما يريد، والرقيب على ضمائر الصدور وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة صادرة عن محض الإيقان، ناطقة بأفصح البيان، مقرونة بأعظم البرهان الواحد الأحد في قدمه بلا ثاني، والفرد المتفرد بوجوب بقائه بلا حاجة له إلى شيء من المعاني، سبحانه هو الغني عما سواه على الإطلاق، وهو الذي خلق الموت والحياة، وقدر القدرة والدراية في خلقه على وفق الحكمة والاتساق، فكيف يقال بقدم شيء من هذه الأوصاف المختلفة الماهيات، والمتشابهة الكيفيات، والمخلوقة الآنيات، وتجعل قائمة بذات باري البريات، تعالى عما يقوله الجاهلون وإن توهم ذلك وزخرفه المبطلون، وأشهد أنه العدل الحكيم الذي لا يقضي بالفساد، ولا يريد شيئا من معاصي العباد الذي أمر بالطاعات ليثيب عليها، ونهى عن المعاصي وزجر عنها، ولم يأمر العباد إلا بما يطيقون، ولم يزجرهم عما هم به مطوقون، وأشهد أن محمدا عبده ونبيه الذي أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وجعله داعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا، وأنزل عليه كتابا عربيا أحدث كلماته وفصلها تفصيلا، وجعل{ منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} [آل عمران:7]، ليبلوهم أيهم أحسن عملا وأصدق تأويلا، وجعله المعجزة الباقية ببقاء شرعه إلى منقطع التكليف. وقرنه بالعترة النبوية إلى أن يردا عليه الحوض يوم العرض على الخبير اللطيف، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وعلى أصحابه الذين اتبعوهم بإحسان أولا وأخيرا.
وبعد: فلما كان المختصر الموسوم بالعقد الثمين في معرفة رب العالمين وعدله في المخلوقين، ونبوة النبيين، وحصر الإمامة في الآل الطاهرين وغير ذلك من سائر مسائل أصول الدين مؤلف مولانا الإمام الناقد البصير الأمير الكبير شرف الإسلام ناشر علوم عترة سيد الأنام الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن الإمام المنتصر بالله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين عليهم السلام، من أجل الكتب التي ألفت بهذا الفن على معتقد أئمتنا عليهم السلام في المعارف الإلهية، وسائر مسائل الأصول الدينية التي يلزم المكلف معرفتها ولا ينبغي لمسلم أن يجهل مقالهم فيها وأدلتها.
Bogga 3
سبب التأليف
ولم أكن قد وقفت على شرح له ينشر طوياته، ويظهر خفياته، ويبرز ما لمح إليه ذلك الإمام من غوامض الكلام، ويحرز ما جمعه ذلك الهمام من درر غوص أولئك الأعلام الذين هم حجج الله على كافة الأنام، إلا ما كان وضعه شيخنا صفي الإسلام وخاتمة المحققين في الكلام تغشاه الله بواسع الرحمة والإكرام من التحشية بهامشه، وهي لعمري مفيدة أي إفادة، ولكنها لما وضعت بالهامش على سبيل التعليق، والزيادة صارت بالنسبة إلى من لم يعرف قدرها بمنزلة الدر الموضوع في باطن القلادة، ومن ثمة لم يحفل بنقلها إلا الخواص الراغبون في التحقيق والإجادة، فاستخرت الله سبحانه في استخراج ما خبي عن خدرها المصون وإدماج ما زوي من درها المكنون في ما سنح من لآلئ مغاصات أفكار أئمة الهدى وحجج الله على خلقه إلى يوم الندا، وأجعل الجميع شرحا لذلك الكتاب الذي يحق أن تشد إليه الرحال، وأن يعول عليه بجميع الإقبال في البكور والآصال، وذلك مع قصر الباع ونزر الإطلاع غير أني أتمثل ببعض قول سلفنا الصالح رحمه الله تعالى:
لك الحمد من حزب الوصي جعلتني .... ومن تابعي آل الرسول لك الحمد
لك الحمد إذ دليتني وهديتني .... إلى مذهب الآل الشريف لك الحمد
لك الحمد لم أختر سواهم ولم أقل .... بغير مقال جاء عنهم لك الحمد
لك الحمد إذ جنبتني وحميتني .... عن الميل عن آل النبي لك الحمد
لك الحمد إذ صيرتهم مأمن الورى .... وسفن نجاة للعباد لك الحمد
لك الحمد إذ نزهتهم عن مدنس .... وأذهبت كل الرجس عنهم لك الحمد
لك الحمد هذا يا إلهي وسيلتي .... أريد به غفران ذنبي لك الحمد
لك الحمد وأختم بالصلاة مسلما .... على أحمد والآل يا من لك الحمد
وسميته الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين، والله المسئول أن يجعله ذخيرة ليوم الدين نافعا للمسترشدين، دامغا لأناف أهل الإلحاد وسائر المعاندين.
Bogga 4
مقدمة: في علم الكلام
Bogga 5
اعلم وفقك الله أن الخلق المصدقين بالله تعالى ورسله واليوم الآخر على اختلاف شرائعهم ومذاهبهم الفروعية فيما اختلفوا فيه واتفاق معتقداتهم الأصولية فيما اتفقوا فيه تتفاضل درجاتهم عند الله عز وجل، وتتفاوت مراتبهم في الثواب بين الجزيل والأجزل فأرفعهم درجة عنده تعالى أعرفهم به، وأشدهم خوفا وحياء منه وأقواهم إيمانا وإيقانا وأثبتهم استدلالا وإمعانا، وأمكنهم طمأنينة وإذعانا، وأنهضهم برهانا وسلطانا على من جحده تعالى أو ألحد في توحيده أو اغتاب في عدله وصدق وعده ووعيده، وأغرقهم معرفة بكيفية إبطال شبه الإلحاد والتعطيل، وأكثرهم بحثا ونظرا في معرفة معاني المتشابه الذي يجهله أهل الزيغ والضلال حججا على أهل التوحيد والتعديل وما يتبعهما من مسائل النبؤات والإمامة والتفضيل والشفاعة، وسائر أحوال المعاد بالإجمال أو التفصيل فمن هنا كانت الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أفضل الخلق عند الله وأقربهم إليه وأرفعهم درجة إليه، ثم أوصياء الأنبياء، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم سائر المؤمنين، على حسب تفاوت مراتبهم في العلم بالله تعالى والخشية له والفرار من موجب عقابه، والمبادرة إلى ما يوجب زيادة معرفته تعالى ونيل ثوابه ما ذاك إلا لتفاوتهم في السبب المقتضي لتلك المفاضلة والأمر المفضي بصاحبه إلى أي مرتبة من المراتب العالية أو النازلة، ومن ثمة قال تعالى {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون} [آل عمران:163]، وقال تعالى: {ولكل درجات مما عملوا} [الأحقاف:19]، وقال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام:124]وقال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} [البقرة:253]، وقال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملآئكة وأولوا العلم } [آل عمران:18]، فلم يعتد سبحانه وتعالى بشهادة غير أولي العلم، والمراد بأولي العلم به لصحة تلك الشهادة، لأن العالم وإن تبحر في سائر فنون العلم مع تقصيره في هذا الفن الشريف فليست شهادته إلا كشهادة غيره من العوام بل قد يكون العامي أسلم منه لعدم إطلاعه على ما يقدح في الاعتقاد الصحيح من المذاهب المتعارضات، والتمسكات التي اعتمدها أهل الضلال، والآيات المتشابهات والأحاديث المضطربات والموضوعات وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]، وهذه الآية كالتي قبلها في أن المراد العلم بالله وما يحق له من الصفات الإثباتية والنفيية التي تنتج معها الخشية كل الخشية من الله تعالى، من أنه تعالى قادر على كل شيء، وعالم بكل شيء مع تحرير الأدلة القطعية على ذلك، ومنه ينتج العلم بالله أنه قادر على إعادة المكلف إلى عرصة المحشر، وعالم بجميع أعماله، وأنه صادق فيما أخبر به على ألسنة رسله وأنبيائه وسائر حججه على خلقه من الثواب لمن أطاع والعقاب لمن عصى، وأنه عدل لا يكذب ولا يعذب أحدا إلا بذنبه، ولا يثيبه إلا بعمله، وأنه حكيم لا يخلق الفساد ولا يريده من العباد، وأنه لا شفاعة ولا ناصر ولا مفر لأعداء الله منه، فعند العلم بجميع ذلك تحصل الخشية من الله تعالى، وتتفاوت الخشية على قدر تفاوت العلم وقوته وضعفه بتلك المعارف وما يدل عليها، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى بل صرح فيما أخرجه الإمام الموفق بالله عليه السلام عن أنس قال صلى الله عليه وآله وسلم لما جاءه سائل قال: يا نبي الله علمني غرائب العلم قال: " أعلمك رأس العلم خير لك، تعرف الله حق معرفته، وتستعد للموت قبل نزوله، فقال زدني؛ فقال : حسبك إن عرفت الله حق معرفته لم تعصه "، وأخرج ولده الإمام المرشد بالله عليهما السلام والحافظ بن عقدة رحمه الله تعالى عن علي عليه السلام في قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، قال أعلم الناس بالله أشدهم خشية، وأخرجا أيضا عن زيد بن علي عليهما السلام في قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، قال: على قدر منازلهم في العلم بالله شدة خشيتهم، وأخرج الدارمي في مسنده عن عطاء قال: " قال موسى يا رب أي عبادك أغنى؟ قال: أرضاهم بما قسمت له؛ قال: يا رب أي عبادك أحكم ؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه؛ قال أي عبادك أخشى لك؟ قال: أعلمهم بي ".
Bogga 7
فصل في فضل علم الكلام
دل ذلك على فضل هذا العلم وشرفه على سائر العلوم، وقد استدل على فضله بوجوه أخرى:
أحدها: أن العلم يشرف بشرف معلومه، ولا أشرف من معلوم هذا العلم لأن معلومه هو الله تعالى وعدله، وحكمته، وأنبيائه، ووعده، ووعيده.
ثانيها: عظم نفعه، ولا نفع أعظم من نفع هذا العلم.
ثالثها: عظم الخطر في الجهل به، ولا أعظم خطرا من الجهل بالله تعالى وأنبيائه ونحو ذلك.
ورابعها: خساسة ضده، ولا أخس من الجهل بالله تعالى ونحو ذلك.
خامسها: استغنائه عن سائر العلوم وافتقار سائر العلوم إليه.
ولا شك أن هذا العلم لا يحتاج إلى غيره من سائر العلوم، فأما هي فإنها تحتاج إلى هذا العلم احتياج الفرع إلى ثبوت أصله، لأنها إنما احتيج إلى معرفتها ليتمكن المكلف بمعرفتها من معرفة الأحكام الشرعية، ولا يحسن الكلام في الأحكام الشرعية إلا بعد معرفة الشارع وصدق المبلغ، دليله إجماع الأمة على عدم صحة عبادة الكافر حتى يسلم لأنه مخاطب بما هو أهم وهو الإسلام المتضمن للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وصدق المعاد وما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة كالواجبات والمحرمات القطعية، قال السيد الهادي عليه السلام: فصارت منزلة هذا العلم من سائر العلوم بمنزلة الإمام من المؤتمين من حيث أنه حاكم على جميعهم ولا يحكم عليه أحد منهم.
قلت: ولله در السيد يحيى بن منصور العفيف رحمه الله تعالى حيث يقول:
Bogga 8
إذا كان تقديم الأصول فريضة .... وكان بها التفضيل أقرب للحصول
فتقديمها في العقل أول واجب .... وتقديمنا للفرع من سفه العقول
فدونك إثرها لتنجو بها غدا .... وتعرف ذا العلم الصحيح من الجهول
ولا تؤثرن الفرع قبل أصوله .... فيشغلك تطويل الفروع عن الوصول
وتصبح في بحر من اللبس واسع .... تود زوال الشك يوما فلا يزول
وحسبك فيما قلت أحمد قدوة .... فلم يؤثر المختار شيئا سوى الأصول
ولم يك بالإجماع للخلق داعيا .... إلى غيره مما تفرع من مقول
وحسبك هذا إن جهلت سبيله .... عدول بنيه الطيبين بني البتول
هم معدن الفتوى وهم معدن الهدى .... وهم باب سلم في الحديث عن الرسول
وهم وارث علم الكتاب وأهله .... بنص كتاب الله فاسمع لما نقول
ولا تيقنن مهما يقنت بغيرهم .... فكل امرء يوم الحساب لهم سئول
ومن مال منهم فالخليفة غيره .... فما قال خير الناس كلهم عدول
وهذا على وجه النصيحة ما أرى .... وأنت على التخيير في الترك والقبول
تنبيه: لا بد لطالب كل فن من معرفة حده، وموضوعه، وغايته، فلنذكر هذه الأمور الثلاثة لهذا العلم الشريف المسمى: علم الكلام، ولم سمي علم الكلام ؟
Bogga 9
حد علم الكلام
أما حده: فهو علم بأصول يتوصل بها إلى معرفة الله تعالى وتوحيده وعدله، وما يترتب عليهما، فقولنا: علم، جنس الحد؛ وقولنا: بأصول، خرج به علم الفروع وعلم العربية ونحوهما؛ وقولنا: يتوصل بها إلى آخره، خرج بذلك علم أصول الفقه وأصول الشرائع؛ ونعني بالأصول هاهنا القواعد الكلية والقوانين العقلية، كقولنا: القديم قديم بذاته بمعنى أنه لا يحتاج إلى غيره يجعله قديما، والمحدث يحتاج إلى محدث والشيء لا يحدث نفسه، والضدان لا يجتمعان، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والمختلفان يصح فيهما الاجتماع والارتفاع، والمثلان يسد كل واحد منهما مسد الآخر، والجسم يقوم بنفسه لا يخلو عن العرض ولا بد له من حيز يكون فيه ويجوز عليه التجزيء والانقسام ويستحيل عليه الكون في جهتين في وقت واحد، والعرض لا يقوم بنفسه فلا بد له من جسم يقوم به، وما حله المحدث فهو محدث مثله، إلى غير ذلك من القواعد الكلية التي لا تنتقض أصلا، والقوانين العقلية التي تعرف صحة كل شيء أو فساده برده إليها، وقولنا: وما يترتب عليهما، نريد به إدخال مسائل النبوة والإمامة والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والشفاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأحوال المعاد إلى غير ذلك مما يذكر في هذا الفن؛ قال القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس رحمه الله تعالى: ونعني بالترتيب الترتيب الأخص بحيث لا يصير أحدهما أصلا والثاني فرعا، فلا يرد دخول مسائل الشرع الفرعية في قيد الترتيب.
قلت: وفي تفسيره الترتيب الأخص بقوله: بحيث لا يصير أحدهما أصلا والثاني فرعا، نظر، إذ من المعلوم أن العدل والتوحيد أصلان يتفرع عليهما جميع ما ذكر، فالقياس تفسير الترتيب الأخص اللازم باللزوم عنهما لزوما أوليا بحيث يشاركهما في وجوب الاعتقاد والتصديق، ويصير الجميع أصولا يجب معرفة كل واحد منها على حدته.
Bogga 10
موضوع علم الكلام
وأما موضوعه الذي يستمد منه: فهو المشاهدات والمعقولات بإجالة الفكر فيها لإعمال تلك القواعد، وإجراء تلك القوانين المذكورة، وبعضه يستمد مع ذلك من السمع وذلك ما لا يتوقف صحة السمع عليه كنفي الرؤية ونفي الثاني ومسألة المجازاة، وبعضه من السمع فقط كالأحكام والأسماء الجارية على المكلفين باعتبار حصولهم على تلك العقائد وفعل الطاعات وترك المعاصي أو عدمه، فالأحكام:كالإيمان، والإسلام، والكفر، والنفاق، والفسق، والموالاة، والمعاداة، والأسماء، كقولنا: مؤمنا، ومسلما، وبارا، وتقيا، وعدلا، وكقولنا: كافرا، ومنافقا، وفاسقا، وفاجرا، وطاغيا، وكثبوت الشفاعة، واعتقاد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك مما طريق ثبوته السمع فقط من مسائل الاعتقاد.
Bogga 11
ثمرة علم الكلام
وأما غايته: وهي ثمرته وهي معرفة الله تعالى وتوحيده وعدله وما يحق له من الصفات والأسماء والأفعال وما يجب نفيه من ذلك، ومعرفة نبوءة أنبيائه وما يترتب على ذلك حسبما ذكر.
Bogga 12
لم سمي علم الكلام
وأما لم سمي علم الكلام؟ فقيل : لكثرة الكلام فيه، لأنه يتكلم فيه على جميع الأشياء من الجائز والواجب والمستحيل والموجود والمعدوم والقديم والمحدث والجسم والعرض والجوهر والحي والميت والجماد والحيوان والقادر والعاجز والعالم والجاهل إلى غير ذلك من الأقسام والأوصاف، وقيل:اسم غلب عليه كما غلب علم النحو على علم الإعراب والبناء،وعلم الفقه على الفروع ونحو ذلك، وقيل: لأن أول مسألة حدثت فيه في الكلام الذي هو القرآن هل هو كلام الله ؟ وهل هو محدث أم لا ؟
وهذا أوان الشروع في المقصود، والإعانة والتمام على الملك المعبود.
Bogga 13
سند الكتاب
فأقول وبالله أصول: هذا الكتاب المبارك المسمى العقد الثمين في معرفة رب العالمين أرويه سماعا على شيخنا العلامة عز الإسلام محمد بن علي زايد تغشاه الله بواسع الرحمة والإكرام، وأرويه إجازة ومناولة عن الصنو العلامة عز الإسلام محمد بن عبد الله الجنداري أطال الله بقاه، وكلاهما يرويانه عن شيخهما السيد العلامة عز الإسلام محمد بن علي الجديري رحمه الله تعالى، وهو يرويه سماعا عن شيخه العلامة عز الإسلام محمد بن علي كباس رحمه الله، وهو عن السيد عز الإسلام محمد بن إسماعيل الكبسي رحمه الله، عن والده السيد العلامة إسماعيل بن محمد الكبسي رحمه الله تعالى، وهو عن والده السيد العلامة محمد بن يحيى الكبسي، وهو عن السيد العلامة شرف الإسلام الحسين بن يوسف زبارة رحمه الله، وهو عن والده السيد العلامة يوسف بن أحمد زبارة رحمه الله، وهو عن السيد العلامة أحمد بن عبد الرحمن الشامي، وهو عن السيد العلامة الحسين بن أحمد بن صلاح، عن السيد عامر بن عبد الله بن عامر بن علي، وهو عن الإمام المتوكل على الله إسماعيل رضوان الله عليه، وهو عن والده الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عليهم السلام، عن السيد العلامة أمير الدين بن عبد الله بن نهشل رحمه الله، عن السيد العلامة أحمد بن عبد الله الوزير، وهو عن الإمام المتوكل يحيى شرف الدين عليهم السلام، عن الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير عليهم السلام ، عن السيد أبي العطايا عبد الله بن يحيى بن المهدي الزيدي نسبا ومذهبا، عن والده يحيى بن المهدي، وهو عن الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر، عن والده الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر، وهو عن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، وعن المؤيد بن أحمد، وهما عن المؤلف الناصر للحق الأمير الحسين بن الأمير الأجل بدر الدين محمد بن أحمد سلام الله عليهم أجمعين.
Bogga 14
وأيضا وسيدي العلامة محمد بن علي الجديري رحمه الله يرويه سماعا عن سيدي محمد بن إسماعيل الكبسي، وبالسند المتقدم؛ ويرويه أيضا من طريق آخره بالإجازة بسند آخر متصل بالمؤلف عليه السلام.
وأيضا أرويه مناولة وإجازة عن شيخي السيد العلامة علم الإسلام والمسلمين قاسم بن حسين أبو طالب أطال الله بقاه.
Bogga 15
الباب الأول في التوحيد وما يتصل به
[ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المختص بصفات الإلهية والقدم، المتعالي عن الحدوث والعدم ].
ابتدأ عليه السلام بالبسملة، وأتبعها بالحمدلة اقتداء بكتاب الله العزيز وعملا بأحاديث الابتداء كلها، وقد ذكر منها شيخنا صفي الإسلام بعضا في سمط الجمان، وذكرها غيره فلا نطيل الكلام بذكرها.
Bogga 16
وجوب شكر المنعم
ولأنه قد تقرر في العقول وجوب شكر المنعم فيكون ذكر الله والبداية بالبسملة والحمدلة بعض ما يجب من أداء ذلك الشكر، وقد خالف أهل الجبر في وجوب شكر المنعم عقلا، وإنما وجب عندهم بالسمع فقط، قال صاحب جمع الجوامع: وشكر المنعم واجب بالشرع لا بالعقل ولا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده، وحكمت المعتزلة العقل إلى آخر كلامه، وهذه إحدى فواقرهم المتفرعة على القول بالجبر، ويقال لهم: إذا كان العقل عندكم لا يحكم باستحقاق المنعم الشكر كان طلب الباري تعالى من الخلق أن يشكروه طلبا لما ليس له ولا يستحقه فيلزم تصويب الكفار في عدم شكرهم نعم الله تعالى، ولو كان كذلك لما ورد الشرع بذمهم على ذلك على أن العقلاء قاطبة يتفقون على مدح من أحسن إليهم وذم من أساء إليهم بل ذلك جبلة في سائر الحيوانات تميل إلى من أحسن إليها وتنفر عمن أساء إليها، وبعضها يرجع إلى الإضرار به ومن ثمة يقال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
وأما قوله: وحكمت المعتزلة العقل، فإنما أتى بهذه العبارة وقصر القول بشكر المنعم عقلا على المعتزلة لقصد التحقير والتنفير عن ذلك القول، وإلا فهو قول قرناء الكتاب العترة النبوية والسلالة العلوية عليهم السلام، وهو معلوم من حال جميع العقلاء، وكافة فرق الإسلام لا يخالف في ذلك سوى أهل الجبر، وهذه قاعدة لهم فاحفظها إذا تكلموا في مسألة من مسائل الجبر لم يحكوا فيها الخلاف ولم ينسبوه إلا إلى المعتزلة، ويعرضون عن الالتفات إلى مذاهب العترة الطاهرة شموس الدنيا وشفعاء الآخرة سلام الله عليهم.
Bogga 17
معنى الاسم
والاسم: هو اللفظ الدال على ذات مسماه الذي وضع لتعيينها عن غيرها، قيل: هو مشتق من السمة وهي العلامة، وقيل: من السمو وهو العلو، لأنه على الأول صار علامة لتلك الذات عند الخبر عنها والإسناد إليها، وعلى الثاني لأنه يسمو بتلك الذات ويرفعها إلى الأذهان عند الخبر عنها.
Bogga 18
لفظ الجلالة
والله: اسم للباري تعالى بإزاء صفات مدح وهي: أنه قادر على كل المقدورات، عالم بجميع أعيان المعلومات وأحوالها، وأنه حي دائم بما ليس له ابتداء ولا انتهاء، ومعنى كونه بإزائها: أنه متى أطلق هذا الاسم الشريف وفهمت تلك الصفات، فلهذا لا يجوز إطلاقه على غير الباري تعالى، واختلف هل هو مشتق أم لا؟ وهل هو منقول أم لا؟ وهل هو علم أم لا؟ فقيل: مشتق من الوله: وهو الفزع، لأنه يفزع إليه تعالى عند المهمات، وهي رواية شيخنا صفي الإسلام في سمط الجمان عن القاسم يعني - ابن إبراهيم عليهما السلام - وحكى في هامشه عن الناصر للحق الحسن بن علي في البساط، والناصر أبي الفتح الديلمي في تفسيره، والمنصور بالله في شرح الرسالة، وحكي أيضا عن أبي القاسم البلخي، وقيل: من التأله وهو التعبد، وحكاه أيضا عن القاسم عليه السلام، وقيل: من الوله وهو التحير لأن العقول تتحير في كنه ذاته تعالى، قال مولانا الحسين بن القاسم عليهما السلام، وأصله الإلاه حذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف تخفيفا ولذلك لزمت، وذهب والده الإمام القاسم بن محمد قدس الله روحه في الأساس، وحكاه الشارح عن الجمهور إلى أنه غير مشتق ولا منقول، قال سيدي العلامة الوجيه عبد الكريم بن عبد الله رحمه الله تعالى وهو المختار إذ ما سواه يحتاج إلى وحي، وقال النحاة: بل هو علم، قال في الأساس: قلنا العلم وضع لتمييز الذات عن جنسها والله تعالى لا جنس له إلى آخر كلامه عليه السلام.
قلت: وأيضا فإن الأعلام لا تدل على زيادة على تمييز الذات عما سواها، ولهذا إذا كان الاسم مشتقا من معنى يدل عليه كصالح وهادي ثم وضع علما لذات صار كأنه قد تنوسي فيه ذلك المعنى ونزل منزلة الأسماء الجامدة كبكر وهند ونحوهما، وقد علمنا أن هذا الاسم الشريف متى أطلق فهمت منه تلك الصفات الحميدة.
قالوا: هو من الأعلام الغالبة التي بقي ملحوظا فيها معنى ما اشتقت منه كالحارث والصعق.
قلنا: كان يلزم جواز إطلاقه على غير الله قبل الغلبة ولا قائل به.
Bogga 19
صفة الرحمن الرحيم
والرحمن الرحيم: صفتان مشتقتان من الرحمة وإطلاقهما على الله تعالى مجاز لأن معناهما الحقيقي الحنو والرأفة، ويلزم منهما فعل جلب النفع ودفع المضار ممن قاما به وإيصال ذلك إلى الشخص الذي جلب له النفع ودفع عنه الضرر، فاستعمل اللفظ في حق الباري تعالى، والمراد لازمه تجوزا هذا قول المهدي عليه السلام والجمهور، وقال القاسم بن محمد عليهما السلام: بل صارا حقيقتين دينيتين منقولتين عن المعنى اللغوي إلى المعنى الآخر وهو جلب النفع ودفع الضرر بنقل الشارع إلى الحقيقة الدينية كنقل الإمام ونحوه، والأظهر الأول والله أعلم.
والحمد: هو الثناء بالجميل على الجميل الاختياري، قال سيدي الحسين بن القاسم عليهما السلام: وأطلق الجميل الأول لأن وصفه تعالى بصفاته الذاتية حمد له، وقيد الثاني بالاختياري لأنه لم يسمع: حمدت اللؤلؤة على صفائها، بل مدحتها والمدح أعم مطلقا من الحمد.
فإن قلت: يستلزم أن لا يكون ثناء الله تعالى على صفاته الذاتية حمدا وهو خلاف ما عليه الاتفاق.
قلت: قد أجيب عنه بجوابات أمثلها الحمل على المجاز لكون تلك الصفات مبادئ أفعال اختيارية، انتهى كلامه والمسك ختامه، وقوله: الحمل على المجاز - يعني أن الحمد مجاز عن المدح -.
Bogga 20
صفات الذات الإلهية
قوله عليه السلام [ المختص بصفات الإلهية ]، قال شيخنا رحمه الله في حاشيته: هي قادر، عالم، حي، موجود، وما يرجع إليها كسميع وبصير، وقديم، وتسمى صفات الذات والذاتية.
قلت: وفي تفسير صفات الإلهية بذلك نظر فإن مجرد الاتصاف بما ذكر لا يسلم أنه صفات الإلهية لأنها صفات شائعة في غيره تعالى حتى يقال: قادر على كل المقدورات عالم بكل المعلومات، حي دائم لم يزل ولا يزول، ولعله رحمه الله تعالى وضع المطلق موضع المقيد ففي ذلك تسامح، وقوله وما يرجع إليها كسميع وبصير وقديم يعني، أن سميعا بصيرا ليسا صفتين مستقلتين، بل مرجعهما إلى عالم عند القاسم والبغدادية بمعنى عالم بالمسموع وعالم بالمبصر أو إلى حي لا آفة به تمنعه عن إدراك المسموع والمبصر عند الأمير عليه السلام وغيره من أئمتنا والبصرية، وقديم راجعة إلى موجود بمعنى أن وجوده تعالى لا أول له.
قوله عليه السلام [ والقدم ] من باب عطف الخاص على العام لأن القدم من صفات الإلهية ولعله أراد بالتنصيص عليه الإشارة إلى بطلان قول من أثبت معان قديمة كالأشعرية ونحوهم لموافقة الفاصلة في قوله [ المتعالي عن الحدوث والعدم ]، والحدوث: هو وجود الشيء بعد أن كان معدوما، والعدم على ضربين:
عدم أصلي: وهو ما لم يوجد أصلا.
وعدم فرعي: وهو ما كان موجودا ثم عدم.
وكل ذلك يتعالى الله عنه لأنه مناف لصفات الإلهية، فموقع هذه الفقرة من الأولى موقع المؤكدة، ولهذا لم يأتي بحرف العطف المؤذن بالمغايرة.
وكذلك قوله عليه السلام [ الذي لم يسبقه وقت ولا زمان ولا تحويه جهة ولا مكان ] فإن الجميع نازل من الجملة الأولى بمنزلة البيان والتأكيد، لأنه لو سبقه زمان أو حواه مكان لكان محدثا فينافي صفات الإلهية، لأن ما سبقه غيره فهو محدث بالضرورة، وما حواه المكان فهو محدود بالضرورة، وكل محدود يفتقر إلى فاعل يفعله على ذلك الحد والمقدار.
Bogga 21
فإن قلت: وما تريد بقولك: ولهذا لم يأتي بحرف العطف المؤذن بالمغايرة ؟
قلت: لأن المفردات والجمل المتعاقبات إن كانت التالية في معنى المتلوة لزم عند علماء البيان أن تجرد عن حرف العطف،وإن كانت في معنى آخر لزم الإتيان به ومثال الجميع قوله تعالى: {حم o تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم o غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} [غافر:1-3]، فإن الثلاث الصفات الأول لما فهم معناها من لفظ الاسم الشريف جردت عن حرف العطف، إذ لا يصح أن يقال من الله والعزيز والعليم وغافر الذنب لأن العطف يقتضي التغاير، ولما كانت الرابعة وهي قوله تعالى: {وقابل التوب{، منزلة من متلوتها بمنزلة الشرط من المشروط وهما متغايران بالحقيقة وإن كان بينهما تلازم قرنت بالواو، ثم قوله: {شديد العقاب{، وقوله: {ذي الطول{، وقوله: {لا إله إلا هو{، الثلاث الجمل لما كان يعود معناها إلى معنى العزيز الحكيم جردت عن حرف العطف لتؤذن بالتوكيد وتصير ماسكة بما قبلها كإمساك التابع بمتبوعه، وكذلك كلام المؤلف عليه السلام فإن جملة هذه الفقرة جميعها مما قبلها مبينة ومؤكدة فجردت عن العاطف في قوله الذي لم يسبقه الخ، ولما كانت مفردات الفقرة فيما بينها متغايرة في قوله: وقت ولا زمان ولا تحويه جهة ولا مكان قرنت بالواو.
إن قيل: فالوقت والزمان متحدان في المعنى وكذلك الجهة والمكان، فكيف قلت بتغايرها وأدخلت الواو بينهما ؟
قلنا: لا يسلم الاتحاد فإن الوقت بعض الزمان والجهة: هي الفراغ الفاضي وذلك كالجهات الست فإنها فراغ فاضي في جهة اليمين وجهة الشمال وسائرها، والمكان: هو المحل الذي يقبل الثقيل ويمنعه الهوي.
Bogga 22