322

Kashif Amin

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

حقيقة الحسن وحقيقة القبيح

أما الطرف الأول:

فحقيقة الحسن: هو ما للقادر عليه فعله، وقيل: هو مالا عقاب عليه، وقيل: ما هو إذا فعله القادر عليه استحق المدح، وعلى الأولين فهو يشمل الواجب العقلي والشرعي والمندوب والمباح والمكروه، فإن الكل للقادر عليه أن يفعله ولا عقاب عليه في فعله، وعلى الثالث لا يدخل إلا الواجب والمندوب، فالأولان أصح نظرا إلى عرف أهل الفن من حصر الأفعال بين الحسن والقبيح ولا واسطة، فلزم إدخال المباح والمكروه في قسم الحسن، إذ لو لم يدخلا فيه لدخلا في قسم القبيح فيستحق الذم والعقاب عليهما وذلك باطل اتفاقا، لأنه يرفع حقيقتهما ويلحقهما بالمحرم.

قلت: ولا نسلم دخولهما في الحسن إلا إذا وقعا لغرض صحيح مقصود من الفاعل لهما وإلا لحقا بالعبث وهو من القبيح اتفاقا، ولا يرد عليه لزوم أن يستحق العقاب عليهما إذا عريا عن ذلك الغرض، لأنه سيأتي اختلاف في حد القبيح على أقوال أوفقها: هو ما إذا فعله القادر عليه استحق الذم، وذلك مسلم أن فاعل المباح والمكروه إذا فعلهما القادر عليهما على وجه العبث استحق الذم لكنه ذم دون الذم على فعل المحرم وترك الواجب، والآخر أقوى من جهة المعنى المناسب للفظ الحسن ولأنه يخرج منه الأفعال الحقيرة التي لا صفة لها زائدة على كونها فعلا كتحريك النائم يده، وانهيال الرمل، وتصدع الغبار من الأرض عند المشي، وأفعال المجانين والصبيان، فإنه لا معنى لوصف شيء من ذلك بأنه حسن، والملجي لأهل الحدين الأولين إرادة الحصر بين الحسن والقبح لينطبق على هذه القاعدة حصر أفعال الله تعالى بين حسن فيصح أن يفعله وقبيح فلا يصح أن يفعله، وهذا المعنى هو ممكن بالنظر إلى الحد الثالث فإنها تصير أفعال الله تعالى محصورة بين حسن يستحق به المدح وقبيح يستحق به الذم لو فعله، فيجب أن ينزه عنه، فيكون الثالث أولى من الحدين الأولين.

Bogga 354