295

Kashif Amin

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

والجواب والله الهادي إلى أوضح المبادي وأوفق المقاصد للبادي أن يقال: إنما المحال في مسألة مقدور بين قادرين على القول به وقوع ذلك المقدور وبروزه إلى الخارج كذلك بمعنى أنه صادر منهما معا كما ستعلم ذلك من كلام المؤلف عليه السلام الآتي في تمام الاستدلال، والاستدلال المذكور في صدر المسألة مبني على التقدير دون الوقوع ولا فرق في صحة الأدلة بين أن تبنى على الوقوع أو على التقدير سيما فيما كان المطلوب فيه من الاستدلال هو النفي لما يدعي الخصم إثباته، ألا ترى أن الاستدلال على نفي الحاجة مبني على تقدير وقوع الحاجة في حقه تعالى يلزم منه جواز المنفعة والمضرة عليه سبحانه ولم يكن مبنيا على وقوع الحاجة، وكذلك الاستدلال على نفي الظلم عنه تعالى مبني على أنا لو قدرنا وقوع الظلم منه تعالى لدل على الجهل بقبحه أو الحاجة إلى فعله، فجعلنا الدلالة مبنية على تقدير وقوع الظلم لأنه يعود من الغرض المقصود نفيه إلى إثباته فلا يستقيم تحرير الاستدلال على التقدير دون الوقوع، فكذلك مسألتنا هذه نقول فيها: إن الدليل مبني على تقدير أن كلما قدر عليه الله تعالى فالإله الثاني قادر عليه، ثم يستدل على صحة هذا التقدير بأن نقول: إن هذا الإله الثاني يجب أن يكون قادرا لذاته وإلا خرج عن كونه إلها، هذا خلف فلا بد أنه قادر لذاته، ثم نقول ومن شأن القادر لذاته أن لا يعجزه شيء فيجب أن يقدر على كل ما قدر عليه الله سبحانه [ ولو كان كذلك لجاز عليهما التشاجر والتنازع، ولصح بينهما التعارض والتمانع، ] إذ من شأن من قدر على شيء أن يفعله إذا علم المصلحة في فعله على الوجه الذي تعلقت المصلحة بفعله من الاختصاص بوقوعه على صفة دون صفة ووقت دون وقت ومكان دون مكان، فيصح أن يريد أحدهما وقوعه على وجه أن يريد الآخر وقوعه على الوجه الآخر، فيؤدي ذلك إلى التشاجر والتعارض والتنازع المفضي إلى ما هو المحال بالذات، وهو التمانع وعجز الجميع أو ما هو مثله من المحالات كما أوضح الجميع عليه السلام بقوله [ ولو قدرنا وقوع هذا الجائز ] أي المفروض جوازه، ومن هنا يعلم أن الدلالة مثبتة على التقدير كما مر في جواب ذلك السؤال.

فإن قيل: أليس إن التقدير المحال محال، فكيف يثبتون الأدلة على تقدير المحالات؟

قلنا: المحال هو وقوع المحال لا تقدير وقوعه، فقولهم: تقدير المحال محال. ليس على ظاهره بل مؤول على تقدير مضاف، وهذا السؤال وجوابه قد علم من الأول إلا أنا استحسنا إيراده لأنه وارد على قولهم تقدير المحال محال. والأول هو وارد على قولهم: مقدور بين قادرين محال، زيادة في إزاحة ما يعرض من الإشكالات، [ و]حينئذ فيقال: لو قدرنا ذلك [ لأدى ] هذا التقدير إلى وقوع [ مالا يجوز ] ولا يتصور في العقل وقوعه ولا صحته من أحد ثلاثة أمور كلها مستحيلة:

الأول: ما ذكره عليه السلام بقوله [ من اجتماع الضدين من الأفعال، ] المتنافية والمتناقضة بأن يريد أحدهما إيجاد شيء والآخر إعدامه، أو إحياء زيد والآخر إماتته، فيكون موجودا معدوما في حالة واحدة أو حيا ميتا في حالة واحدة، وذلك محال لا يتصور وقوعه في الخارج.

الثاني والثالث: [ أو عجز القديم عن المراد، ] وذلك أنا إن قدرنا أن كلا منهما بلغت قادريته إلى منع الآخر عن إيجاد مراده لزم التمانع الذي فيه ارتفاع النقيضين، وارتفاع النقيضين محال كاستحالة اجتماعهما، وإن قدرنا أن أحدهما بلغت قادريته إلى منع الآخر، فذلك مع تقدير أن الآخر إله قديم مثله قادر على كل شيء محال أيضا، فلا يمكن الانفصال عن لزوم وقوع أحد هذه المحالات إلا برفع القول المؤدي إليهما وهو الإله الثاني الذي أدى تجويزه إلى أحدهما.

ويرد على هذا سؤال بأن يقال: بأنهما حكيمان، فلا يصح تقدير اختلافهما فيجب أن يتفق مراداهما في وجه الحكمة، فلا يصح الاختلاف المبني عليه الدليل؟

Bogga 326